الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين يحيط برقبته فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه يبيعه مرابحة على عشرة ، وكذلك إن كان المولى اشتراه فباعه من العبد ) ; لأن في هذا العقد شبهة العدم بجوازه مع المنافي فاعتبر عدما في حكم المرابحة وبقي الاعتبار للأول فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول ، وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني فيعتبر الثمن الأول .

التالي السابق


( قوله وإذا اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة وعليه دين محيط برقبته فباعه من المولى بخمسة عشر فإنه ) أي المولى ( يبيعه مرابحة على عشرة ، وكذلك إذا كان المولى اشتراه ) بعشرة ( فباعه من العبد ) بخمسة عشر يجب أن يبيعه العبد مرابحة على عشرة ( لأن في هذا العقد ) أعني الذي جرى بين العبد والمولى وإن كان صحيحا لإفادته ما لم يكن من كسب العبد في كسبه ويسلم للمولى من كسبه ما لم يكن سالما ( فله شبهة العدم ) ; لأن الحاصل للعبد لا يخلو عن حق المولى ، ولهذا كان للمولى أن يستبقي ما في يده لنفسه ويقضي دينه من عنده ، وكذا في كسب المكاتب ويصير ذلك الحق حقيقة إذا عجز فرد في الرق فصار كأنه باع ملك نفسه من نفسه أو اشترى ملك نفسه لنفسه ، ولكن للفائدة التي ذكرناها صححناه فظهر أنه جائز ( مع المنافي ) وهو كونه عبده المستلزم لكون المال له لولا الدين ( فاعتبر عدما في حكم المرابحة وبقي الاعتبار لل ) عقد ( الأول ) وهو الكائن بعشرة ( فيصير كأن العبد اشتراه بعشرة لأجل المولى في الفصل الأول ) وهو ما إذا اشتراه العبد وباعه من المولى ( وكان ببيعه ) أجل ( المولى في الفصل الثاني ) وهو ما إذا باعه المولى من عبده ( فكان المعتبر الثمن الأول ) وهذه المسألة بالاتفاق ، وكذا الجواب إذا كان المأذون مكاتب السيد بالاتفاق .

وقوله فاعتبر عدما في حكم المرابحة يفيد أنه إنما اعتبر عدما للمرابحة لا لكونه معدوما من وجه ، وسببه أن المرابحة بيع أمانة تنفي عنه كل تهمة وخيانة ، والمسامحة جارية بين السيد وعبده ومكاتبه فيتهم بأنه اشتراه منه بزيادة أو باعه منه كذلك ، ولهذا قال أبو حنيفة : اشترى شيئا من أبيه أو أمه أو ولده أو اشترى هؤلاء منه لا يبيع واحد منهم مرابحة إلا على الثمن الذي قام على البائع ، إلا أنهما خالفا في هذه فقالا : يبيعه مرابحة على ما اشتراه من هؤلاء لتباين الأملاك والحقوق فكانا كالأخوين ، [ ص: 504 ] وأبو حنيفة يقول : ما يحصل لكل من هؤلاء كأنه للآخر من وجه .

ولهذا لا تقبل شهادة أحدهم للآخر وتجري المسامحة بينهم فكان الاحتياط فيما ذكرنا ، ثم القيد المذكور وهو كونه مديونا بما يحيط برقبته مصرح به في الجامع من رواية محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة : والمشايخ في تقرير هذه المسألة منهم من ذكره كقاضي خان ، ومنهم من لم يقيد بالمحيط كالصدر الشهيد فقال : عبد مأذون عليه دين محيط برقبته أو غير محيط ، ومنهم من لم يذكر الدين أصلا كشمس الأئمة في المبسوط فقال : إذا اشترى من أبيه أو أمه أو مكاتبه أو عبده ، ولا شك أن ذكره وعدمه في الحكم المذكور سواء ، بل إذا كان لا يرابح إلا على الثمن الأول فيما إذا كان عليه دين محيط مع أنه أجنبي من كسبه فلأن لا يربح إلا عليه فيما إذا لم يكن عليه دين أولى ; لأنه حينئذ لا ينعقد العقد الثاني أصلا إنما يبيع ماله من نفسه أو يشتريه .

وإنما فائدته لثبوت صحة العقد الثاني وعدمه ، والحكم المذكور على التقديرين لا يختلف ، ولو اشترى من شريكه سلعة ، إن كانت ليست من شركتهما يرابح على ما اشترى ولا يبين ، وإن كانت من شركتهما فإنه يبيع نصيب شريكه على ضمانه في الشراء الثاني ونصيب نفسه على ضمانه في الشراء الأول نحو أن تكون السلعة اشتريت بألف من شركتهما فاشتراها أحدهما من صاحبه بألف ومائتين فإنه يبيعها مرابحة على ألف ومائة ; لأن نصيب شريكه من الثمن ستمائة ونصيب نفسه من الثمن الأول خمسمائة فيبيعها على ذلك .




الخدمات العلمية