الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال : ومن اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله ) ومراده بعد القبض ; لأن المكيل إذا كان من جنس واحد فهو كشيء واحد ; ألا يرى أنه يسمى باسم واحد وهو الكر ونحوه . وقيل هذا إذا كان في وعاء واحد ، فإذا كان في وعاءين فهو بمنزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب دون الآخر [ ص: 389 ] ( ولو استحق بعضه فلا خيار له في رد ما بقي ) ; لأنه لا يضره التبعيض ، والاستحقاق [ ص: 390 ] لا يمنع تمام الصفقة ; لأن تمامها برضا العاقد لا برضا المالك ، وهذا إذا كان بعد القبض ، أما لو كان قبل القبض فله أن يرد ما بقي لتفرق الصفقة قبل التمام . قال ( وإن كان ثوبا فله الخيار ) ; لأن التشقيص فيه عيب وقد كان وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق ، بخلاف المكيل والموزون . .

التالي السابق


( قوله ومن اشترى شيئا مما يكال ) كالحنطة والتمر ( أو يوزن ) كالسمن والزعفران وغير ذلك ( فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله ، ومراده ) إذا كان الاطلاع على العيب ( بعد القبض ) أما لو كان قبله فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما كالثياب والعبيد من أنه يرد الكل أو يحبس الكل ، بخلاف ما بعد القبض فإنه يجوز رد المعيب خاصة في غير المكيل والموزون دونهما ، وإنما قلنا بعد القبض يرد الكل ( لأن المكيل إذا كان من جنس واحد ) كالحنطة أو الشعير ( فهو كشيء واحد ) فإن الانتفاع والتقوم لا يتحقق بآحاد حبات القمح منفردة بل مجتمعة فكانت الآحاد المتعددة منها كالشيء الواحد ثوب أو بساط ونحوه ( ألا ترى أنه يسمى ) المتعدد منه المجتمع ( باسم واحد كالكر ) والوسق والصبرة فلا يتمكن من رد البعض خاصة كما لا يتمكن من رد بعض الثوب ، بخلاف الثوبين والعبدين فإنه بعد قبضهما يرد المعيب خاصة ; لأنهما شيئان حقيقة وتقوما وانتفاعا لا يوجب إفراد أحدهما عن الآخر عيبا حادثا فيه ( قيل هذا ) يعني كونه يرد الكل ( إذا كان في وعاء واحد ) أما ( لو كان في وعاءين ) كما إذا اشترى عدلي حنطة صفقة فوجد بأحدهما عيبا فإنه يرد ذلك العدل خاصة .

[ ص: 389 ] كما ذكره فخر الإسلام قال : لأن تمييز المعيب من غيره يوجب زيادة عيب في المعيب ، فإنه إذا كان مختلطا بالجيد يكون أخف عيبا مما إذا انفرد ، فلو رد كان مع عيب حادث عند المشتري ، بخلاف ما إذا كان في وعاءين فرد أحدهما بعينه فإنه لا يوجب زيادة عيب ، قال الفقيه أبو الليث : هذا التأويل يصح على قول محمد خاصة .

وإحدى الروايتين عن أبي يوسف لا على قول أبي حنيفة ، فإنه روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد أن رجلا لو اشترى أعدالا من تمر فوجد بعدل منها عيبا ، فإن كان التمر كله من جنس واحد ليس له أن يرد المعيب خاصة ; لأن التمر إذا كان من جنس فهو بمنزلة شيء واحد وليس له أن يرد بعضه دون بعض ، وذكر الناطفي رواية بشر بن الوليد : لو اشترى زقين من سمن أو سلتين من زعفران أو حملين من القطن أو الشعير وقبض الجميع له رد المعيب خاصة إلا أن يكون هذا والآخر سواء ، فإما أن يرده كله أو يترك كله ، فقد رأيت كيف جعل التمر أجناسا مع أن الكل جنس التمر ، فعلى هذا يتقيد الإطلاق أيضا في نحو الحنطة فإنها تكون صعيدية وبحرية ، وهما جنسان يتفاوتان في الثمن والعجين ، ويتقيد إطلاق فخر الإسلام أن في الأعدال يرد المعيب خاصة بأن ذلك إذا كان باقي الأعدال من غير ذلك الجنس مما هو مندرج تحت مطلق جنسه بأن يكون بعض الأعدال برنيا وبعضها لبانة فيرد ذلك خاصة ، أما إذا كان الأعدال من جنس واحد بأن يكون كلها برنيا أو صيحانيا أو لبانة أو عراقية فيرد الكل والصبرة كالعدل الواحد وإن كثرت لجريان ما ذكرنا من وجه منع رد المعيب وحده فيها .

( قوله ولو استحق بعضه ) أي بعض المكيل أو الموزون فلا خيار للمشتري في رد ما بقي بل يلزمه أن لا يرده ، وروي عن أبي حنيفة أن له رده دفعا لضرر مؤنة القسمة ( وجه الظاهر أنه لا يضره التبعيض ) لا في القيمة ولا في المنفعة ، أما في القيمة فإن المد من القمح يباع على وزان ما يباع به الإردب والغرارة ، وأما في المنفعة فظاهر فلا يتضرر به ، بخلاف غيره فإنه إن كان مما يفصل يصير معيبا بتبعيضه فإن الفضلة من الثوب كالذراع إذا نودي عليه في السوق لا تبلغ قيمته متصلا بباقي الثوب ، وإن كان مما لا يفصل كالعبد يصير معيبا بعيب الشركة ، بخلاف المكيل لا يتعيب بالشركة فإنهما إن شاءا اقتسماه في الحال وانتفع كل بنصيبه كما يجب ومؤنة القسمة خفيفة وقد تكون بكيل عبدهما وغلامهما ( وقوله والاستحقاق [ ص: 390 ] لا يمنع تمام الصفقة )

جواب عن سؤال هو أنه ينبغي أن يكون له رد ما بقي في صورة الاستحقاق كي لا يلزم تفريق الصفقة على المشتري للمستحق عليه ، فأجاب بأن تفريق الصفقة إنما يمتنع قبل التمام لا بعده ، وقد تحقق تمام هذه الصفقة حيث تحقق القبض ولم يظهر بعد ذلك إلا الاستحقاق ، والاستحقاق ( لا يمنع تمامها ; لأن تمامها برضا العاقد ) وقد تحقق ( لا برضا المالك ) يعني المستحق ، ولذا قلنا : إذا أجاز المستحق لبدل الصرف ورأس مال السلم بعد افتراق العاقدين يبقى العقد صحيحا فعلم أن تمام العقد يستدعي تمام رضا العاقد لا المالك ، وقوله ( وهذا ) أي كون الاستحقاق لا يوجب خيار الرد ( إذا كان بعد القبض ، أما إذا كان قبل القبض فله أن يرد الباقي لتفرق الصفقة ) عليه ( قبل التمام ) ; لأن تمامه بعد الرضا بالقبض ( ولو كان ) المستحق ( ثوبا ) ونحوه كعبد وكتاب ( فله الخيار ; لأن التشقيص في الثوب عيب ) والشركة في العبد عيب فله الخيار بين رد الكل أو بقائه شريكا ، لا يقال : ينبغي أن لا يثبت له خيار رد الكل ; لأنه حدث عنده عيب بالاستحقاق ، وأجاب بقوله ( وقد كان ) إلى آخره : أي هذا العيب : أعني عيب الشركة كان ثابتا ( وقت البيع ) وإنما تأخر ظهوره ، والظهور فرع سابقة الثبوت فلم يحدث العيب عند المشتري بل ظهر عنده فلم يمنع الرد ، بخلاف تمييز الجيد من الرديء في المكيل إذا كان في وعاء واحد أو كان صبرة فإنه عيب حدث عنده فلا يمكنه إلا رد الكل ، .




الخدمات العلمية