الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 5244 ] وأخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا القعنبي ، فيما قرأ على مالك .

[ ص: 436 ] وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو النضر الفقيه ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع ، عن مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ضافه ضيف وهو كافر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشاة حلبت فشرب ، ثم أخرى ، فشرب حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم أصبح فأسلم ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ، فشرب حلابها ، ثم أمر بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " .

وفي رواية القعنبي : بشاة فحلبت فشرب حلابها ، ثم أمر له بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المسلم يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء " .

رواه مسلم في الصحيح ، عن محمد بن رافع ، عن إسحاق بن عيسى .

قال الشيخ : قد أشار أبو عبيد ، في معنى الحديث ، إلى هذه الرواية المفسرة ، فلم أر الحليمي رضيه ، وكأن الحليمي لم يحفظ هذه الرواية ، ثم قال في آخر كلامه : وإن كان إنما قاله ، حين وصف له رجل بعينه ، فمعناه إذا : أن الذي يليق بالكافر ، أن يكثر أكله ، وبالمؤمن أن يذر أكله ؛ لأن الكافر لا يقصد إلا تسكين المجاعة ، وقضاء الشهوة ، والمؤمن يدع البعض ؛ لأنه حرام ، ويدع البعض إيثارا به على نفسه ، ويدع التمليء ؛ لئلا يثقل فيقطع العبادة ، ويدع البعض لفرط ما فيه من النعمة ، خيفة أن لا يستطيع القيام [ ص: 437 ] بشكره ، ويدع البعض رياضة لنفسه ، وقمعا لشهوته ، حتى لا يستعصي عليه ، ويدع البعض لئلا يعتاده ، فإن لم يجده في وقت اشتد ذلك ، أو وجد من ذلك في نفسه ، والكافر ليس به إلا ملء بطنه ؛ لأن هذه الوجوه كلها ، إنما يبعث عن النظر من قبلها الإيمان والتقوى ، فهو لا يترك لأجلهما شيئا ، وإنما أمامه شهوته دون ما عداها ، والمعى في هذا الحديث المعدة ، ومعناه : أنه يأكل الكافر أكل من له سبعة أمعاء ، والمؤمن لخفة أكله ، يأكل أكل من ليس له إلا معى واحد ، والله أعلم .

وقرأت في كتاب " الغريبين " قال : قال أبو عبيد : نرى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه ، فيكون فيه البركة ، والكافر لا يفعل ذلك .

وقيل إنه خاص لرجل ، قال غيره : وفيه وجه أحسن من ذلك كله ، وهو أنه مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن ، وزهده في الدنيا ، والكافر وحرصه عليها ، ولهذا قيل الرغب شؤم ؛ لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار ، وليس معناه كثرة الأكل ، دون اتساع الرغبة في الدنيا .

وذكر أبو سليمان هذه الوجوه ، اللفظ مختلف ، والمعنى واحد ، ثم قال : وقد قيل : إن الناس في الأكل على طبقات : فطائفة يأكلون كلما وجدوا مطعوما عن حاجة إليه ، وعن غير حاجة ، وهذا فعل أهل الجهل ، والغفلة الذين شاكلت طباعهم طباع البهائم ، وطائفة يأكلون إذا جاعوا ، فإذا ارتفع الجوع أمسكوا ، وهذه عادة المقتصدين من الناس ، والمتماسكين منهم في الشمائل والأخلاق ، وطائفة يتجوعون ويرتاضون بالجوع قمعا لشهوات النفوس ، فلا يأكلون إلا عند الضرورة ، ولا يزيدون منه ، على ما يكسر عزب الجوع ، وهذا من عادة الأبرار ، وشمائل الصالحين الأخيار .

[ ص: 438 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية