الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 5292 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو محمد بن أبي حامد المقرئ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الخضر بن أبان ، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا مالك بن دينار ، قال : حدثني رجل قد أدرك الصدر الأول ، قال : استعمل عمر بن الخطاب رجلا على خوخة ، فقال : " انطلق إلى خوخة فاستخرج خراجها ، وقم عليها ، حتى يأتيك أمري ، فانطلق هو وغلام له أسود على بعير ، يعتقبان البعير عقبة له ، وعقبة للغلام ، حتى أتى خوخة ، قال : يا سيدي ، أستحي أن تدخل وأنت تمشي وأنا راكب ، وأنت تسوق بي ، قال : " فكيف أصنع وهي عقبتك ؟ قال : اركبها لك ، قال : " طيبة بها نفسك . قال : طيبة بها نفسي ، فركب ، وساق به الغلام ، حتى دخل خوخة ، فلما دخلها ، نودي في أهل الأرض ، والدهاقين ، فقالوا : جاء أمير ، جاء أمير ، فسجدوا له ، فقال : أخ أخ لبعيره ، فنزل فسجد معهم ، فرفعوا رؤوسهم ، وهو ساجد ، فلما رفع رأسه ، قالوا له : لأي شيء سجدت ؟ قال : رأيت قوما سجدوا ، فسجدت معهم ، فقيل له : إنما سجدوا لك ، فقال : أسجدوا لي ؟ قالوا : نعم ، فقال لغلامه : إنما بعثني عمر ، لأتخذ إلها من دون الله ، النجاء النجاء ، قال : فركب بعيره ، ثم رجع ، حتى قدم المدينة ، فلما رأى عمر قال : يا أمير المؤمنين ، إنما بعثتني ، لأتخذ إلها من دون الله ، قال : فضحك عمر ، وتركه .

ثم أرسل إلى رجلين من الأنصار ، فقال لهما : " انطلقا إلى خوخة " ، فلما قدموا قالوا : لا تسجدوا لهما ، فيرجعان كما رجع الأول ، وحضر طعام ، إما غداء ، وإما عشاء ، فجيء بالمائدة ، فوضعت بين أيديهما ، ثم وضعت قصعة ، فسميا وأكلا ، ثم جاء يأخذها ، فقالا له : لا تأخذها ، فإن هذا طعام طيب ، قالوا : عندنا أطيب منه ، فأخذها ، ووضع قصعة أخرى ، فقال أحدهما لصاحبه : إنما بعثنا لنأكل طيباتنا في حياتنا الدنيا ، النجاء النجاء ، فركبا فأتيا المدينة ، فأتيا عمر وقال : " ما جاء بكما ؟ " فقالا : يا أمير المؤمنين ، إنما بعثتنا ، لنأكل طيباتنا في حياتنا [ ص: 468 ] الدنيا ؟ فغضب عمر ، وقال : " كيف أصنع ؟ من أستعمل ؟ بمن أستعين ؟ " ثم تركهما ، ثم أرسل إلى رجل من المهاجرين من مزينة ، يقال له : أبو يسار ، فبعثه إلى خوخة ، وذكر القصة ، في قدومه وأنهم جاؤوا بالخراج ، وقالوا : هذا خراجنا ، وهذا هدية لك ، قال : لا حاجة لي فيه ، قالوا : نحن تطوعنا به طيبة أنفسنا ، قال : لا حاجة لي فيه ، لم يأمرني أمير المؤمنين بهذا ، فرده وأخذ الخراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية