الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 4760 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن مهران الحافظ الزاهد ، حدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن إسرائيل صاحب اللواء ، حدثنا عمرو بن أبي عثمان الرقي ، حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر ، عن ميمون بن مهران ، عن نافع ، قال : كنت مع ابن عمر في سفر ، فسمع صوت [ ص: 121 ] مزمار ، فوضع يديه على أذنيه ، وتنحى حيث لا يسمع ، وقال : " هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصنع إذا سمع مثل هذا .

تابعه عبد الله بن جعفر الرقي ، عن أبي المليح .

وروينا من حديث سليمان بن موسى ، والمطعم بن المقدام ، عن نافع ، وقال : ذكرنا الرخصة في الضرب بالدفوف للنكاح .

[ ص: 122 ] قال الحليمي رحمه الله : " ثم إن الدف كما فارق ضربه للغناء ضربه للنكاح ، فكذلك الطبل ، يفارق ضربه للغناء ، ضربه لركوب الغزاة ، ولحمل الحجيج أو نزولهم ، أو لأجل العيد ؛ لأن ذلك ليس للهو ، وما خلص للهو ، فذاك هو الممنوع ، والله أعلم .

قال الحليمي رحمه الله : " إلا أن ضرب الطبل إذا حل حل للرجال ، وضرب الدف لا يحل إلا للنساء ؛ لأنه في الأصل من أعمالهن " ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء " .

قال : وأما التصفيق فمكروه للرجال ؛ لأنه مما خص به النساء ، وقد منع الرجال من التشبه بالنساء ، كما منعوا من لبس المزعفر كذلك .

وأما الرقص ، فإن لم يكن فيه تكسر وتخنث فلا بأس به .

فإنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد : " أنت مولانا " ، فحجل ، وهو أن يرفع [ ص: 123 ] وعلا ، ويقفز إلى الأخرى من الفرح ، وقال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " فحجل ، قال علي : وقال لي : " أنت مني وأنا منك " فحجلت .

وأما ضرب القضيب ، فإنه إشارة إلى دون الشعر ، وتقطيع اللحن فقط ، وليس للتطريب والإلهاء ، ألا ترى أنه على الإفراد ليس مما تستلذه الأسماع ، ولا يرغب به ، وليس صوت المزهر كذلك ؛ لأنه يراد به التطريب والإلهاء ، والأسماع تستلذه ، وإن لم يكن معه قول ، وكان الضرب بالقضيب على وسادة ، والضرب بالمطرق على الطشت سواء .

قال الحليمي رحمه الله : " كل غناء حل أو حرم فهو باطل ، ما لا قربة فيه إلى الله تعالى ، ولا يصلح للتوصل به إلى قربة ، وهذا صفة الغناء ، إلا أنه ليس كل شيء يسمى بالباطل يحرم ، فإن اللعب بالصولجان باطل ولا يكره ، وكذلك المصارعة ، وبسط الكلام فيه ، قال : فإن أفضل الغناء المباح بغرض صحيح ، مثل أن يكون برجل وحشة وعلة عارضة فتكره ، فأشار عدل من الأطباء بأن تبوأ المساكن بالنزهة ، ويغني ليتفرج بذلك ، وينشرح صدره ارتفع اسم الباطل في هذا الحال عنه ، وكان اسم الحق أولى به ، ألا ترى أن الحداء ضرب من الغناء ، ولكنه لما كانت له فائدة معقولة ، وهي تنشيط الإبل للسير زال عنه اسم الباطل ، فما يراد به استصلاح نفس الإنسان وفكره ، أولى أن يزول عنه اسم الباطل .

قال الشيخ أحمد : " وعلى هذا لو كان رجل من أهل النسك غلب عليه حال من أحوالهم ، كالخوف والرجاء ، والمحبة والشوق ، وغير ذلك ، فغنى بما قيل في مثل حاله في بعض الأحايين ، فازداد بذلك ما هو فيه من الخوف من سوء العاقبة بما سبق في الأول ، أو الحزن على ما مضى من أيامه ، في غير الطاعة أو الشوق إلى ما أعده الله لعباده في الآخرة ، أو يفرح بما قيل فيه عن بعض ما يقاسيه من الخوف والحزن ، فاعتدلت حاله في الخوف والرجاء ، والحزن والفرح ، فجعل يفرح بما وفق له من الطاعة ، ويحزن بما يخاف من سوء العاقبة ، أو على ما يقع منه من التقصير في العبادة ، فقد فعله جماعة من سلف هذه الأمة ، ولم يكرهوه إلا لمن خرج عن هذه الوجوه وما في معناها " .

[ ص: 124 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية