الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      قاعدة تجمع مسائل جائز الترك مطلقا ليس بواجب ، وتجوزنا بمطلقا عن فرض الكفاية والموسع والمخير ، ويتفرع عليه مسائل : ( المسألة ) الأولى ( الزيادة على أقل ما ينطلق عليه الاسم لا يوصف بالوجوب ) أن الزيادة على أقل ما ينطلق عليه الاسم فيما لا يتقدر بمعين ، كمسح الرأس ، وتطويل أركان الصلاة ، وألحق بها إمساك بعض الليل احتياطا للصوم إذا لم نوجبه ، كما حكاه العبادي عن أبي إسحاق المروزي لا يوصف بالوجوب لأنه يجوز تركه ونقله ابن برهان في " الأوسط " عن معظم العلماء ، ونصره الشيخ أبو إسحاق في " التبصرة " ، والغزالي وابن السمعاني في " القواطع " والإمام في " المحصول " ، وغيرهم . [ ص: 314 ] وقال ابن الرفعة في " المطلب " في مسح الرأس : إنه الأصح ، وقيل : الكل واجب إذ ليس بعض أولى ، فكان الكل واجبا ، وهو ظاهر نص الشافعي في الأم ، كما نقله في " البحر " عنه في باب الكتابة ، فيما إذا أوصى بوضع بعض النجوم ، ويحكى عن الكرخي ونسبه صاحب " الكبريت الأحمر " إلى الجمهور منهم ، وقال : حتى قالوا : إن الإسلام لا يطلب من الصبي حتما ، ولو أتى به وقع واجبا ، وعلى هذا فوصفه بالاستحباب قبل الإيقاع ، أما بعد وقوعه فيقع فرضا . وقيل عليه : إن حكم مسح البعض المجزئ حكم خصال " الكفارة " فأي خصلة فعلها حكم بأنها الواجب .

                                                      قال ابن الرفعة في " المطلب " : والأول أشبه ، لأنا لا نعرف أحدا قال فيما إذا صلى منفردا ، ثم صلى تلك الصلاة فرضا في جماعة ، وقلنا : الثانية هي الفرض : إنه وجب عليه أحد الظهرين على التخيير كما في خصال الكفارة ، وفي المسألة وجه ثالث ، وهو التفصيل ، فإن كان لو اقتصر على البعض أجزأه ، فالزائد ليس بواجب كمسح الرأس ، وسبع البدنة للمتمتع وإلا فالكل فرض ، كما لو أخرج بعيرا عن الشاة في الخمس لأنه لو اقتصر على خمس بعير فقط لم يجزئه قطعا ، وادعى النووي في موضع من " شرح المهذب " اتفاق أصحابنا على تصحيحه .

                                                      قال ابن برهان : ومنشأ الخلاف أن الأمر عندنا ما تتناوله تلك الزيادة ، وعندهم تتناولها . قلت : وعقد سليم في " التقريب " مسألة الأمر بفعل الشيء يقتضي [ ص: 315 ] وجوب أدنى ما يتناوله اسم ذلك الفعل . قال : ومن الناس من قال : يقتضي وجوب الأكثر وزيفه ، ثم قال : مسألة : ومن أمر بشيء فلزمه أدنى ما يقع عليه اسم ذلك الفعل ، فزاد عليه ، فالزيادة تطوع ، وعن الكرخي أن الجميع واجب . ا هـ . فجعل الخلاف في هذه مفرعا على القول بوجوب أدنى الاسم .

                                                      تنبيهات ( التنبيه ) الأول : قال الغزالي : الخلاف يتجه فيما وقع متعاقبا كالطمأنينة والقيام ، وأما ما وقع بجملته معا ، ولا يتميز بعضه عن بعض بالإشارة [ والتعبير ، فيبعد أن يقال : قدر الأصل ] منه واجب ، والباقي ندب . قلت : وقد حكوا طريقين في مسح الرأس . هل محل الخلاف فيما إذا وقع الجميع دفعة واحدة ، حتى إذا وقع مرتبا يكون نفلا جزما أم الخلاف في الصورتين ؟ والصحيح : الثاني . كذا قاله النووي في " شرح المهذب " . لكن الأقوى الأول ، واختاره إمام الحرمين .

                                                      ( التنبيه ) الثاني زعم السهروردي أن الخلاف لفظي يرجع إلى تفسير الوجوب بماذا ؟ والحق : أنه معنوي وللخلاف فوائد : [ ص: 316 ] منها : زيادة الثواب فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب النفل ، ومنها : إذا مسح على شعر ثم حلق بعضه . فإن من يرى أنه إذا حلق كله تجب الإعادة ، قد يقول : إذا قلنا : الكل واجب لزمه إعادة المسح في الموضع الذي حلقه ، ولا سيما على قول من زعم أن ذلك كخصال الكفارة ، فإنه بفعلها يكون معينا لوجوبها ، كما قاله القاضي الحسين في الواجب الموسع إذا فعل في أول وقته ثم فسد أو أفسد ، ثم أتى به في بقية الوقت يكون قضاء ; لأنه بالشروع فيه تعين . قاله في المطلب .

                                                      ( التنبيه ) الثالث قال القاضي عبد الوهاب في " الإفادة " : المسألة مفروضة في زائد يمكن انفكاك الواجب منه أما ما لا يمكن فإنه واجب تبعا غير مقصود يعني ، بلا خلاف ; لأن الوجوب يتناول ما هذه صفته مع كونه ضد الموجب الآخر ، كإمساك جزء من الليل قبل الفجر وبعد غروب الشمس ، فلأن يكون واجبا مع جنس المأمور به أولى ، وحاصله : تخصيص الخلاف بما إذا أمكن الاقتصار على الأصل ، فإن لم يمكن إلا بفعل الكل ، فالكل واجب قطعا ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وهذا كما في جزاء الصيد يصوم عن كل مد يوما ، وإذا انكسر مد صام ، يوما كاملا لأن الصوم لا يتبعض ، ويقع فرضا قطعا وكذلك قال الإمام في " النهاية " فيما لو نذر اعتكاف يوم فاعتكف أقصر الأيام أجزأه أو أطول الأيام وقع الجميع فرضا . أي : من غير تخريج على الخلاف .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية