الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو فقه للاستغراب

الدكتور / محمد البنعيادي

المبحث الأول: ملابسات سياسية ومضامين فكرية

كان لإلغاء الخلافة الإسلامية بتركيا في عام 1924 على يد كمال أتاتورك دوي هائل في العالم الإسلامي وخاصة في مصر، نتجت عنه معارك سياسية وفكرية هدفت إلى إعادتها مرة ثانية، ويقودها الأزهر عبر حملة كبرى دعا فيها إلى عقد مؤتمر لبحث مسألة الخلافة، ورددت الصحف أن الملك «فؤاد» كان الأصلح لحمل لوائها.

وفي المقابل سعى تيار آخر إلى مهاجمـة الخلافة والدعوة إلى الحيلولة دون قيامها. وذاع صيت هذا التيار بعدما أصدر الشيخ «علي عبد الرازق» هذا الكتاب.

جاء هـذا الكتاب مباشـرة بعد صدور كتاب (الخلافة) لتوماس أرنولد وسقوط الخـلافة العثمـانية سـنة 1924م، وهي الفترة نفسـها التي خرج فيهـا كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين والذي اعتبر صدى لأفكار أستاذه مارجيليوث. وقد ذهب البعض إلى أن هذا التزامن كان مقصودا منه التشكيك في تراث الأمـة وثوابتها، والتشويش على الفكر العـربي والإسـلامي، والترويج للفكر الغربي الذي يدعو إلى التحديث والعصرنة.

[ ص: 174 ] وقـد تناول كتاب «الإسـلام وأصـول الحـكم» بحث الخلافة والإمامـة في الفـكر والتاريخ الإسلاميين، ثم خلص إلى نتيجة مؤداها أن هذا النظام غريب عن الإسلام، ولا أساس له في المصادر والأصول المعتمدة للدين عند المسلمين من كتاب وسنة وإجماع، وقدم لهذا النمط من أنماط الحكم في التاريخ الإسلامي صورة تنفر منه المواطن العصري فضلا عن المفكر الحر المستنير [1] .

وقد حاول فيه أن يثبت أن الخـلافة ليست أصـلا من أصـول الإسـلام، وأن هذه المسـألة دنيوية سياسية أكثر من كونها مسألة دينية، وأنها مع مصلحة الأمة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان في القرآن ولا في الأحاديث النبوية في كيفية تنصيب الخليفة أو تعيينه، وذهب في كتابه إلى القـول: إن التاريخ يبين أن الخـلافة كانت نكبة على الإسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد.

وقد أثار هذا الكتاب موجة من النقاشات والتجاذبات الفكرية وجعل حجـم المعركة التي أثارها أكـبر من حجـم القضايا الفكرية التي أثارها - فيما لو أخذت مجردة – خاصة أنه قد جاء سهما منصوبا ضد العرش المصري [2] ، وكأنما كان الرجل يقرأ صفحة الغيب التي سجلت استقبال

[ ص: 175 ] الملك فؤاد وأنصاره لكتابه هذا فكتب في صلبه يقول: إن الغيرة على الملك تحمل المـلك على أن يصـون عرشه مـن كل شيء قـد يزلزل أركانه أو ينقص من حرمته أو يقلل من قدسيته، لذلك كان طبيعيا أن يستحيل الملك وحشا سفاحا وشيطانا ماردا، إذا ظفرت يداه بمن يحاول الخروج عن طاعته وتقويض كرسيه، وإنه لطبيعي كذلك في الملك أن يكون عدوا لدودا لكل بحث، ولو كان علميا، يتخيل أنه قد يمس قواعد ملكه... من هنا نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم، واستبداد الملوك بمعاهد التعليم...ولا شك أن علم السياسة هو من أخطر العلوم على الملك بما يكشف من أنواع الحكم وخصائصه وأنظمته إلى آخره، لذلك كان حتما على الملوك أن يعادوه وأن يسدوا سبيله على الناس [3] .

[ ص: 176 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية