الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الباب الثاني: التغريب والاستغراب والغرب

دراسة مصطلحية ومفهومية

الفصل الأول: في مفهوم الفقه

الفقه العلم بالشيء والفهم له [1] . والفقه فهم الشيء، قال ابن فارس: وكل علم لشيء فهو فقه [2] . فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفي، قولا كان أو غير قول،

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ) (هود:91)،

( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) (الإسراء:44)،

( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) (الأنعام:46)،

غير أن القرافي قال في شرح تنقيح الفصول: وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: الفقه في اللغة إدراك الأشياء الخفية. [ ص: 64 ]

والفقه: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم.

قال تعالى: ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) (النساء:78)،

( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون ) (المنافقون:7)؛

والفقه: العلم بأحكام الشريعـة، يقال: فقه الرجل فقاهة: إذا صار فقيها، قال السرقسطي: فقهت عنك فقها: فهمت، وفقه فقها: صار فقيها، وفقهت الرجل: غلبته في الفقه [3] ؛ وفقه أي: فهم فقها، وفقهه أي: فهمه، وتفقه: إذا طلبه فتخصص به،

قال تعالى: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (التوبة:122).

وبإجمال: الفقه هو الفهم الدقيق والعميق للأشياء.

وقد غلب في الصدر الأول استعمـال الفقه في فهم أحكام الدين جميعها، أي فهم كل ما شرع الله لعبـاده من الأحكام، سواء أكانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها، أم كانت أحكام الفروض والحدود والأوامر والنواهي والتخيير والوضع، فكان اسم الفقه في هذا العهد متناولا [ ص: 65 ] لهـذين النوعـين على السواء، لم يختص به واحـد منهما دون الآخر، وكان مرادفا إذ ذاك لكلمات «شريعة، وشرعة، وشرع، ودين» التي كان يفهم من كل منها النوعان جميعا. وكما كان اسم الفقه يطلق على فهم جميع هذه الأحـكام، كان يطلق على الأحكام نفسها، ومن ذلك ( قوله عليه الصلاة و السلام: رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) [4] .

إذن: إذا كان الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، وهو أخص من العلم، فإنني أقترح مفهوم الفقه بدل مفهوم العلم ليصاحب مفهوم الاستغراب في هذا البحث. [ ص: 66 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية