الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو فقه للاستغراب

الدكتور / محمد البنعيادي

المبحث الثاني: (المشاحة في الألفاظ والمصطلحات) من أولويات بناء وتحصين الفكر الإسلامي

إن المصطلح والمفهوم في عالمنا اليوم ثغرة خطيرة ينفذ من خلالها (الآخر) بكل يسر، فمن خلالها استطاع (الآخر) أن يجيش الجيوش من المثقفين والأدباء والمفكرين لترويج، ثم لترسيخ مجموعة من القيم الغربية في عصر العولمة، التي باتت تحاول تنميط العالم على شاكلة الثقافة الغربية، والعمل على حسر ثم تحييد الثقافات العالمية والمحلية الأخرى، وفي هذا السياق ضخ الإعلام الغربي عددا هائلا من المصطلحات والمفاهيم وحقن بها مثقفينا وإعلاميينا وأدبائنا، الذين – بتأثير قوة الصدمة – أصبحوا يشكلون مقاولات ثقافية محلية تنوب عن (الأغراب) في ترويج هذه البضاعة (المنمطة) وتم التطبع إلى درجة البلادة مع مجموعة كبيرة من المصطلحات والمفاهيم مثل: الإرهاب....

وظهرت بدعة مقولة: (لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات) وتلقفتها نخبنا (المتنورة) وأصبحت تحتل حيزا خطيرا في حياتها الفكرية والثقافية، بل وحتى السياسية.

إن المصطلحات والألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هي ميراث لكل الملل والمذاهب والحضارات، ولجميع ألوان المعرفة ونظريتها ولكل بني [ ص: 32 ] الإنسان.. وهذه العبارة في تقديرنا صادقة تماما.. لكنها – أيضا - تحتاج إلى ضبط لمفهومها وتقييد لإطلاقها، وتخصيص لعمومها حتى لا يشيع منها الخـلط، بل والخـداع، كما هـو حـادث لها ومنها الآن لـدى عديد من دوائر الفكر التي ترددها دون ضبط وتحديد وتقييد لما يوحي به ظاهرها من مضمون [1] .

لذلك وجب التنبيه إلى خطورة مقولة: (لا مشاحة في الألفاظ) في وقت تصاعد الاهتمام بالمسألة المصطلحية اليوم، وولى أغلب المثقفين وجوههم، شطر المصطلح الوافد [2] .

إن للمفاهيم دورا محوريا في عملية بناء الهوية؛ والمفاهيم انعكاس للجوهر الحضاري لأمة ما، وهي تتضمن عناصر مختلفة ومتنوعة لا يمكن رؤيتها إلا كعناصر مترابطة تعكس تركيب الواقع وتطوره وتطور إدراكه، وتؤثر يقينا في البنية المعرفية وفي السياق الفكري.. لذلك تبرز ضرورة رد المفهوم لمجمل البنيان المعرفي والثقافي والفكري، الذي ينتمي له، وتقدير المصلحة في تبني مفهوم معين أو ربما رفضه [3] . [ ص: 33 ]

إنـه لابد- في إطـار مشـروع فقه الاستغراب الإسـلامي- من خطة علمية ومنهجيـة لازمة للتصدي لمسألة المصطلحات والمفاهيم، ذلك أن الاهتمام بالمفاهيم المكونة للذات ينبغي، بل يجب، أن يكون على رأس الأولويات، ولا قيمة لاهتمام في ميزان الغد الحضاري المنتظر، ما لم يؤسس على العلمية أولا وعلى المنهجية ثانيا، ثم على التكاملية شرطا في السير الراشد ثالثا.

وعليه، فإن المسـألة المصطلحية مسـألة حضـارية يمكن أن تكون مـن قضـايا فقـه الاستـغراب الملحـة في الدراسـات الحضـارية الإسلامية المعاصرة.

بهذه المعاني نلج تصنيفات مصطلح ومفهوم (الآخر) في القرآن الكريم ثم في السيرة النبوية في الفصلين القادمين، بحول الله. [ ص: 34 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية