الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الفصل السادس

في ماهية الغرب ومقدمات في فقه الاستغراب الإسلامي

المبحث الأول: في ضرورة فقه (الذات) قبل فقه (الآخر)

حتى تصب علاقة الأنا الإسلامي والذات الغربية في خير البشرية جمعاء، لابد من رصد هوية أطراف هذه العلاقة، التي نحددها من خلال هذا المبحث في:

- تحديد (الأنا)، بعيدا عن الأطر الجغرافية التي تحبس المفاهيم والأفكار والمضامين العقائدية في رقعة جغرافية واحدة، ذلك أن (الأنا) كما (الآخر) ليس رقعة جغرافية، وإنما نحن ننظر إلى (الأنا) باعتباره مجموعة من القيم الأصيلة والمبادئ العليا، التي جاء بها الدين الإسلامي، إضافة إلى التجربة التاريخية التي قام بها المسلمون على هدى تلك القيم والمبادئ... وحينما نستخدم مصطلح (الأنا) أو (الذات)، فإن المقصود من ذلك القيم المعيارية المطلقة على الواقع النسبي المتحرك والمتغير [1] في حياة المسلمين.

- تحـديد (الآخر): والآخر الحضـاري أيضا ليس عنوانا هلاميا، وإنما يعني مجموع القيم والمبادئ الأساسية، التي جاء بها الغرب الحضاري، إضافة إلى التجربة التاريخية، التي قامت بها شعوب العالم الغربي عموما، انطلاقا من تلك القيم وعملا باتجاه إنزالها في الواقع الخارجي [2] . [ ص: 88 ]

وإن كان الوحي المعصوم (القرآن والسنة الصحيحة) قد حسم طبيعة (الأنا) على المستـوى النظري، وفي التجربة النبوية المعصومـة، فإن (الأنا) - على مستوى الواقع- قد أصابتها تشوهات خطيرة وأصبحت هويتها محل نزاع داخلي داخل المنظومة الحضارية الإسلامية المعاصرة منذ طلائع الحملة الفرنسية على مصر وتجربة محمد علي والبعثات، التي تلت تلك المرحلة، كما سنعرض ذلك في اللاحق من المباحث.

إن حسم ماهية (الأنا) يساوي حسم المرجعية، التي على أساسها ننظر إلى (الآخر)، لهذا فإن قاعدة فض الاشتباك أو إنهاء الإشكالية بين (الأنا) و(الآخر) هي في مصالحة (الذات الحضارية)؛ لأننا لا يمكن أن نسقط هيمنة (الآخر) المعرفية إلا بمصالحة (الذات) وترتيب علاقتنا بها (ترتيبا صحيحا وفيا للمرجعية الأصيلة)؛ لأن الهيمنة المعرفية لـ(الآخر) تستمر باستمرار أسباب نموها وديمومتها، من مخاصمة (الذات) والجهل بإمكاناتها وقدراتها المتنوعة، وأن الفكر السجالي الذي ينظر إلى (الآخر) كشر مطلق لا يؤدي إلا إلى المزيد من هيمنة (الآخر) المعرفية والتقنية.. لهذا فإن إهمال الذات وتجاوز أطرها المعرفية لا يؤدي إلى فهم (الآخر) فهما دقيقا، بل يؤدي إلى الانبهار به والتلقي الأعمى لكل ما ينتجـه ويصـدره، وأن أصحـاب هذا المنحى لا يدركون العلاقة التي تربط بين فهم (الذات) وفهم (الآخر) [3] . [ ص: 89 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية