الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المبحث الرابع: في المراجعات الجديدة للفكر الغربي، وضرورة التمييز بين مكوناته

أمام الانكسارات المتعددة لكثير من عناصر الخطاب الغربي، ظهرت حركة نقدية قد يعلو صوتها حينا وقد يخفق أحيانا، وتبرز بشكل ملفت في خضم الأحداث الخطيرة الاستثنائية التي يعرفها العالم من حين لآخر مثل كتابات: جون سبوزيتو وغراهام فولر وبول فندلي ونعوم تشومسكي... وهذا يؤشر إلى استحالة المشروع المعرفي الغربي بمعطياته ومنطلقاته وأهدافه ووسائله الحالية؛ ومما يعمق ويجذر هذه الرؤية تكاثر المدارس الفلسفية وإسهال المصطلحات التي أصيبت به هذه الحضارة، حتى أنها تطالعنا يوميا بمصطلحات جديدة يقدمها أصحابها على أنها أكثر دقة واقترابا من الحقيقة، ثم تسقط وتموت لتحل محلها مصطلحات جديدة يلهث وراءها مفكرونا، متصورين أنها ستقدم لهم إجابة عن أسئلتهم وحلا لمشاكلهم، مع أن هذه المصطلحات ليست في واقع الأمر سوى تعبير عن الداء والمرض الغربي، مرض البحث عن المستحيل: مرض الدكتور فاوستوس الكافر الباحث عن الغنوص الكامل والذي انتهى بتدمير نفسه، ومرض دريدا فيلسوف ما بعد الحداثة، الذي أعلن أن العلم كله لعب وذرات وقصص صغرى [1] .

وفي خضم الأزمة الفكرية الغربية جاءت حركة اجتماعية/نقدية لإحداث مراجعات عميقة على مستوى البنية الفكرية والفلسفية، التي ظلت [ ص: 98 ] تؤطر الفعل الغربي على مستواه الداخلي والخارجي لفترة طويلة. فقد ظهرت دراسات متوازنة عن انتهاء الحداثة وفشلها ولا إنسانيتها وضرورة تجاوزها [2] ، وتوجد دوريات متخصصة في نقد الحداثة، كما توجد دوريات فلسفية وأدبية ذات توجه ديني (مسيحي) تنشر دراسات نقدية متعمقة في هذا الموضوع. ويوجد نقد للحداثة داخل الفكر الماركسي في غاية الأهمية (لوكاش-جراف-جيمسون-إيجلتون)، وفكر ما بعد الحداثة رغم عدميته يحوي نقدا مهما لكثير من جوانب المشروع التحديثي (الاستناري) الغربي.

كما ظهرت دراسات تاريخية عديدة للتاريخ الغربي والفكر التاريخي الغربي تعيد النظر فيه وفي مسلماته، التي أسس عليها وانتهى إليها. فأعيدت كتابة تاريخ الاستعمار من منظور الشعوب المقهورة والتي أبيدت، أو تلك التي فقدت تراثها والتي سماها نعوم تشومسكي سياسة (التدمير في الخارج) [3] .

وكان من نتائج هذه الحركة النقدية والمراجعات الجديدة طرح مسألة الحوار والتثاقف بين الحضارة الغربية ومحيطها الثقافي والسياسي ومراجعة استراتيجية إرادة التنشيط للعالم، وبات علينا مع هذا المعطى الجديد أن نميز بين غربين: ذلك الغرب التاريخي، الذي أتاه أهله من خارجه ومن الشرق كالبرابرة، وبين الغرب الاستعماري الحديث الذي بدأ سعيه للسيطرة على العالم منذ الحروب الصليبية أو الذي بدأ حملته على المسلمين بعد عصر النهضة. [ ص: 99 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية