الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (3) قوله : هو الأبتر : يجوز أن يكون "هو" مبتدأ، و "الأبتر" خبره. والجملة خبر "إن" ، وأن يكون فصلا. وقال أبو البقاء: "أو توكيد" وهو غلط منه لأن المظهر لا يؤكد بالمضمر. والأبتر: الذي لا عقب له، وهو في الأصل الشيء المقطوع، من بتره، [ ص: 127 ] أي: قطعه. وحمار أبتر: لا ذنب له. ورجل أباتر بضم الهمزة: قاطع رحمه قال:


                                                                                                                                                                                                                                      4660 - لئيم نزت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أحد أباتر



                                                                                                                                                                                                                                      وبتر هو بالكسر: انقطع ذنبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة "شانئك" بالألف اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي. وقرأ ابن عباس "شنئك" بغير ألف. فقيل: يجوز أن يكون بناء مبالغة كفعال ومفعال. وقد أثبته سيبويه، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      4661 - حذر أمورا لا تضير وآمن     ما ليس منجيه من الأقدار



                                                                                                                                                                                                                                      وقال زيد الخيل:


                                                                                                                                                                                                                                      4662 - أتاني أنهم مزقون عرضي     جحاش الكرملين لها فديد



                                                                                                                                                                                                                                      فإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال فإضافته لمفعوله من نصب. [ ص: 128 ] وإن كان بمعنى المضي فهي لا من نصب. وقيل: يجوز أن يكون مقصورا من فاعل كقولهم: بر وبار، وبرد وبارد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فصل الفاء للتعقيب والتسبيب، أي: تسبب عن هذه المنة العظيمة وعقبها أمرك بالتخلي لعبادة المنعم عليك وقصدك إليه بالنحر، لا كما تفعل قريش من صلاتها ونحرها لأصنامها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أهل العلم: قد احتوت هذه السورة، على كونها أقصر سورة في القرآن، على معان بليغة وأساليب بديعة وهي اثنان وعشرون. الأول: دلالة استهلال السورة على أنه إعطاء كثير من كثير. الثاني: إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه. الثالث: إيراده بصيغة الماضي تحقيقا لوقوعه ك أتى أمر الله . الرابع: تأكيد الجملة بـ إن. الخامس: بناء الفعل على الاسم ليفيد الإسناد مرتين. السادس: الإتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرة. السابع: حذف الموصوف بالكوثر; لأن في حذفه من فرط الشياع والإبهام ما ليس في إثباته. الثامن: تعريفه بأل الجنسية الدالة على الاستغراق. التاسع: فاء التعقيب، فإنها كما تقدم دالة على التسبيب، فإن الإنعام سبب للشكر والعبادة. العاشر: التعريض بمن كانت صلاته ونحره لغير الله تعالى. الحادي عشر: أن الأمر بالصلاة إشارة إلى الأعمال الدينية التي الصلاة قوامها وأفضلها، والأمر بالنحر إشارة إلى الأعمال البدنية التي النحر أسناها. الثاني عشر: حذف متعلق "انحر" إذ التقدير: [ ص: 129 ] فصل لربك وانحر له. الثالث عشر: مراعاة السجع فإنه من صناعة البديع العاري عن التكلف. الرابع عشر قوله: " ربك " في الإتيان بهذه الصفة دون سائر صفاته الحسنى دلالة على أنه هو المصلح له المربي لنعمه فلا تلتمس كل خير إلا منه. الخامس عشر: الالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله: "لربك" . السادس عشر: جعل الأمر بترك الاهتبال بشانئيه للاستئناف، وجعله خاتمة للإعراض عن الشانئ، ولم يسمه ليشمل كل من اتصف - والعياذ بالله - بهذه الصفة القبيحة، وإن كان المراد به شخصا معنيا. السابع عشر: التنبيه بذكر هذه الصفة القبيحة على أنه لم يتصف إلا بمجرد قيام الصفة به، من غير أن يؤثر في من يشنؤه شيئا البتة; لأن من يشنأ شخصا قد يؤثر فيه شنآنه شيئا. الثامن عشر: تأكيد الجملة بـ "إن" المؤذنة بتأكيد الخبر، ولذلك يتلقى بها القسم، وتقدير القسم يصلح هنا، التاسع عشر: الإتيان بضمير الفصل المؤذن بالاختصاص والتأكيد إن جعلنا "هو" فصلا، وإن جعلناه مبتدأ فكذلك يفيد التأكيد، إذ يصير الإسناد مرتين. العشرون: تعريف الأبتر بـ أل المؤذنة بالخصوصية بهذه الصفة، كأنه قيل: الكامل في هذه الصفة. الحادي والعشرون: الإتيان بصيغة أفعل الدالة على التناهي في هذه الصفة. الثاني والعشرون: إقباله على رسوله عليه السلام بالخطاب من أول السورة إلى آخرها.

                                                                                                                                                                                                                                      (تمت بعونه تعالى سورة الكوثر)

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 130 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية