الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر القسمة

قال ابن إسحاق: وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر الأنصاري من بني سلمة، وزيد بن ثابت من بني النجار، وكانا حاسبين قاسمين.

قال ابن سعد: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم فجمعت، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها لله، وسائر السهمان أغفال، وكان أول ما خرج سهم النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتخير في الأخماس، فأمر ببيع الأربعة الأخماس في من يزيد، فباعها فروة، وقسم ذلك بين أصحابه، وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت، فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهما، لكل مائة سهم، وللخيل أربعمائة سهم، وكان الخمس الذي صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي منه على ما أراه الله من السلاح والكسوة، وأعطى منه أهل بيته، ورجالا من بني عبد المطلب ونساء، واليتيم، والسائل، وأطعم من الكتيبة نساءه وبني عبد المطلب وغيرهم.

ثم ذكر قدوم الدوسيين والأشعريين، وأصحاب السفينتين، وأخذهم من غنائم خيبر، ولم يبين كيف أخذوا. وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم، وأهل الحديبية ألفا وأربعمائة، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون.

[ ص: 192 ] وقال ابن إسحاق: وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة، فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خمس الله، ثم قال: وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، والشق ثلاثة عشر سهما، وقسمت الشق ونطاة على ألف وثمانمائة سهم، وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر ألفا وثمانمائة، رجالهم وخيلهم، الرجال أربع عشرة مائة، والخيل مائتان لكل فرس سهمان.

وهذا أشبه مما تقدم، فإن هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح. وأما الوطيح والسلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما ينوب المسلمين، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله: أن بعض خيبر كانت صلحا، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك، وتكون مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم، وإنما هي المشورة العامة ( وشاورهم في الأمر ) .

وروى البلاذري: حدثنا الحسين بن الأسود ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس، قال: قسمت خيبر على ألف وخمسمائة سهم وثمانين سهما، وكانوا ألفا وخمسمائة وثمانين رجلا، الذين شهدوا الحديبية منهم ألف وخمسمائة وأربعون، والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا.

ليس في هذا الخبر مع ضعفه ذكر للخيل، وفيه أن أصحاب السفينتين كانوا أربعين، وقد ذكر ذلك، غير أن المشهور الذي ذكره ابن إسحاق أن أصحاب السفينتين كانوا ستة عشر رجلا، وأن قوما منهم قدموا قبل ذلك بنحو سنتين من الحبشة، وليس لهم مدخل في هذا، ومجموعهم نحو من ثمانية وثلاثين رجلا. وإن كان المراد أصحاب السفينتين ومن أخذ معهم من الدوسيين والأشعريين فقد يحتمل.

وأما قول أبي عمر: قسم جميع أرضها بين الغانمين. فقد حكينا عن ابن إسحاق [ ص: 193 ] ما قسم منها. وقد روينا عن أبي داود: حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن داود المهري ، حدثنا ابن وهب، أخبرني عبد العزيز محمد (ح) وحدثنا نصر بن علي، أخبرنا صفوان بن عيسى، وهذا لفظ حديثه، كلهم عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: كان فيما احتج به عمر رضي الله عنه، أنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، جزأين بين المسلمين، وجزءا نفقة لأهله، وما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين .

وأما حديث بشير بن يسار ، فبشير بن يسار تابعي ثقة، يروي عن أنس بن مالك وغيره، ويروي عن هذا الخبر يحيى بن سعيد، ويختلف عليه فيه، فبعض أصحاب يحيى يقول فيه: عن بشير ، عن سهل بن أبي حثمة. وبعضهم يقول إنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يرسله. وروينا من طريق أبي داود: حدثنا حسين بن علي الأسود، أن يحيى بن آدم حدثهم، عن أبي شهاب ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار; أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا. فذكر الحديث. قال: فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب. ورواية محمد بن فضيل: ، عن يحيى، عنه، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الباقي لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس. فهذه الرواية والتي قبلها مصرحة بأن النصف للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين المقسوم عليهم، والنصف [ ص: 194 ] الباقي هو المدخر لنوائب المسلمين. وأصرح منها رواية سليمان بن بلال ، عن يحيى ، عن بشير، المرسلة; أنه عليه الصلاة والسلام قسمها ستة وثلاثين سهما، فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما، يجمع كل سهم مائة سهم، النبي صلى الله عليه وسلم معهم، له سهم كسهم أحدهم، وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما، وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين، فكان ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها.. الحديث. فقد تضمن هذا أن المدخر للنوائب الذي لم يقسم بين الغانمين هو الوطيح والسلالم الذي لم يجر لهما في العنوة ذكر صريح، والكتيبة هي التي كان بعضها صلحا وبعضها عنوة، وقد يكون غلب حكم الصلح فلذلك لم يقسم فيما قسم. فلم يبق لتأويل أبي عمر رحمه الله وجه، ونص الخبر يعارضه، والله أعلم.

ودفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهلها بشطر ما يخرج منها فلم تزل كذلك إلى أثناء خلافة عمر.

قرأت على غازي بن أبي الفضل، أخبركم حنبل بن عبد الله، قال: أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا القطيعي، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون رجلا، واستشهد من المسلمين خمسة عشر رجلا فيما ذكر ابن سعد، وزاد غيره عليه، وسيأتي ذكرهم، ومنهم الأسود الراعي، وكان من خبره أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر، ومعه غنم كان فيها أجيرا لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله اعرض علي الإسلام. فعرضه عليه، فأسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام، ويعرضه عليه، فلما أسلم، قال: يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذا الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضرب في [ ص: 195 ] وجهها فإنها سترجع إلى ربها، أو كما قال. فقام الأسود، فأخذ حفنة من الحصباء، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك، وخرجت مجتمعة، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى ذلك الحصن، فقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع خلفه، وسجي بشملة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله لم أعرضت عنه؟ قال: "إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ينفضان التراب عن وجهه، ويقولان: ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك.

وروينا من طريق البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم ، حدثنا يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة. فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس أصيب سلمة، فأتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية