الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال في باب حراس النبي صلى الله عليه وسلم: حرسه يوم بدر حين نام في العريش سعد بن معاذ، ويوم أحد محمد بن مسلمة، ويوم الخندق الزبير بن العوام.

رجع إلى ابن سعد: وكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون.

رجع إلى ابن إسحاق: وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعاقده على ذلك، فلما سمع كعب ، بحيي أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي ويحك يا كعب، افتح لي. قال: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. قال: ويحك: افتح لي أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوفا على [ ص: 90 ] جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر، وببحر طام، جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وغطفان حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق وليس فيه شيء، ويحك يا حيي، دعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ومعهما ابن رواحة ، وخوات بن جبير. فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم ، فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا حتى أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا بذلك للناس. فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد، ولا عقد، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة.

وذكر ابن عائذ أن الذي شاتمهم سعد بن عبادة، والذي قال له: ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، سعد بن معاذ.

ثم أقبل السعدان ومن معهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه ثم قالوا: عضل [ ص: 91 ] والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين"
. وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل الظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وقيل: لم يكن معتب من المنافقين، وقد شهد بدرا. قاله ابن هشام.

وقال ابن عائذ: وقال رجال ممن معه: يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.

قال ابن إسحاق: وقال أوس بن قيظي: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملإ من رجال قومه، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى ديارنا فإنها خارج من المدينة . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل، والحصار.

التالي السابق


الخدمات العلمية