الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر توجه عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى بكتاب النبي ، صلى الله عليه وسلم

ذكر الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بعث عبد الله بن حذافة السهمي منصرفه من الحديبية إلى كسرى ، وبعث معه كتابا مختوما فيه : "بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أدعوك بداعية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ، لينذر من كان حيا ، [ ص: 348 ] ويحق القول على الكافرين ، أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس .

قال عبد الله بن حذافة : فانتهيت به إلى بابه ، فطلبت الإذن عليه ، حتى وصلت إليه ، فدفعت إليه كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقرئ عليه ، فأخذه ومزقه ، فلما بلغ ذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : "مزق الله ملكه" .


وذكر أيضا من حديث أبي هريرة وغيره ، أن كسرى بينا هو في بيت كان يخلو فيه ، إذا رجل قد خرج إليه وفي يده عصا ، فقال : يا كسرى ، إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا ، فأسلم تسلم واتبعه يبق لك ملكك . قال كسرى : أخر هذا عني آثرا ما ، فدعا حجابه وبوابيه فتواعدهم وقال : من هذا الذي دخل علي ؟ قالوا : والله ما دخل عليك أحد ، وما ضيعنا لك بابا ، ومكث حتى كان العام المقبل ، أتاه فقال له مثل ذلك ، وقال : إلا تسلم أكسر العصا ، قال : لا تفعل ، أخر ذلك آثرا ما ، ثم جاء العام المقبل ففعل مثل ذلك ، وضرب بالعصا على رأسه فكسرها ، وخرج من عنده ، ويقال : إن ابنه قتله في تلك الليلة ، وأعلم الله بذلك رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، لحدثان كونه ، فأخبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بذلك رسل باذان إليه .

وكان باذان عامل كسرى على اليمن، فلما بلغه ظهور النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ودعاؤه إلى الله ، كتب إلى باذان أن ابعث إلى هذا الرجل الذي خالف دين قومه ، فمره فليرجع إلى دين قومه ، فإن أبى فابعث إلي برأسه - ويروى : وإلا فليواعدك يوما تقتتلون فيه - فلما ورد كتابه إلى باذان ، بعث بكتابه مع رجلين من عنده ، فلما قدما على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنزلهما وأمرهما بالمقام ، فأقاما أياما ، ثم أرسل إليهما رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذات غداة ، فقال : "انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربي ، عز وجل ، قد قتل كسرى في هذه الليلة" ، فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك ، فقال : إن يكن الأمر كما قال ، فوالله إن الرجل لنبي ، وسيأتي الخبر بذلك إلي يوم كذا ، فأتاه الخبر بذلك ، فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . [ ص: 349 ]

ويقال : إن الخبر أتاه بمقتل كسرى وهو مريض ، فاجتمعت إليه أساورته ، فقالوا : من تؤمر علينا ؟ فقال لهم : ملك مدبر ، وملك مقبل ، فاتبعوا هذا الرجل ، وادخلوا في دينه ، وأسلموا . ومات باذان ، فبعث رؤوسهم إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وفدهم ، يعرفونه بإسلامهم .


التالي السابق


الخدمات العلمية