الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم

وقدم على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كتاب ملوك حمير ورسولهم إليه بإسلامهم : الحارث بن كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، والنعمان - قيل ذي رعين ، ومعافر ، وهمدان - وبعث إليه زرعة ذو يزن بإسلامهم ، فكتب إليهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله النبي ، إلى الحارث بن عبد كلال ، وإلى النعمان قيل ذي رعين ، ومعافر ، وهمدان ، أما بعد : فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو . أما بعد ، فإنه وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرضالروم ، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم به ، وخبر ما قبلكم ، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين ، وأن الله قد هداكم بهداه ، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله ، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأعطيتم من المغانم خمس الله تعالى ، وسهم النبي وصفيه ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة ، من العقار ، عشر ما سقت العين ، وسقت السماء ، وما سقى الغرب نصف العشر ، وأن في الإبل الأربعين ابنة لبون ،
وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر ، وفي كل خمس من الإبل شاة ، وفي كل عشر من الإبل شاتان ، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة ، وأنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة ، فمن زاد خيرا فهو خير [ ص: 326 ] له ، ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين ، فإنه من المؤمنين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وله ذمة الله وذمة رسوله ، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها ، وعليه الجزية ، على كل حالم ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف من قيمة المعافر ، أو عوضه ثيابا ، فمن أدى ذلك إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فإن له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله .


أما بعد ، فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن ، أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا : معاذ بن جبل ، وعبد الله بن زيد ، ومالك بن عبادة ، وعقبة بن نمر ، ومالك بن مرارة ، وأصحابهم ، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم ، وأبلغوها رسلي ، وأن أميرهم معاذ بن جبل ، فلا ينقلبن إلا راضيا .

أما بعد ، فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه عبده ورسوله . ثم إن مالك بن مرارة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير ، وقتلت المشركين ، فأبشر بخير ، وآمرك بحمير خيرا ، ولا تخونوا ولا تخاذلوا ، فإن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، هو مولى غنيكم وفقيركم ، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته ، إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل ، وأن مالكا قد بلغ الخبر ، وحفظ الغيب ، وآمركم به خيرا ، فإنه منظور إليهم ، والسلام عليكم ورحمة الله .

إسلام فروة بن عمرو

قال ابن إسحاق : وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي رسولا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بإسلامه ، وأهدى له بغلة بيضاء ، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب ، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ، فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه أخذوه فحبسوه [ ص: 327 ] عندهم ، ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين ، فزعم الزهري ابن شهاب أنهم لما قدموه ليقتلوه قال :


أبلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي ومقامي

ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية