الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وغيره يقول: حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخندق بضع عشرة ليلة، وقيل أربعا وعشرين.

وكان في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة: منها: أن جابرا كان يحدث أنه اشتد عليهم في بعض الخندق كدية فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول وضرب، فعاد كثيبا أهيل. وروي في هذا الخبر أنه عليه السلام دعا بماء فتفل عليه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية، فيقول من حضرها: فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب، ما ترد فأسا ولا مسحاة.

ومنها: خبر الحفنة من التمر الذي جاءت به ابنة بشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة ليتغديا به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاتيه"، فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسط له، ثم قال لإنسان عنده: "اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء". فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب.

ومنها: حيث شويهة جابر، وكانت غير جد سمينة، قال: صنعتها، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، فلما قلت له، أمر صارخا، فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله. قال: قلت إنا لله وإنا إليه راجعون. قال: [ ص: 88 ] فأقبل الناس معه فجلس، فأخرجناها إليه، فبرك ثم سمى الله عز وجل، ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا، وجاء آخرون، حتى صدر أهل الخندق عنها. رواه البخاري، وفيه: وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو .

ومنها: حديث سلمان الفارسي أنه قال: ضربت في ناحية من الخندق، فغلظت علي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان علي، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى، قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال: قلت: نعم، قال: "أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن ، وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق" .

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة، أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمن عمر وزمن عثمان: افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك.

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال، وغطفان ومن تبعهم بذنب نقمى، إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، حتى [ ص: 89 ] جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالنساء والذراري أن يجعلوا في الآطام.

وقال ابن سعد: كان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة، ولواء الأنصار بيد سعد بن عبادة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ، ويظهرون التكبير، وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة ، وكان عباد بن بشر على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة. كذا قال ابن سعد في هذا الموضع.

التالي السابق


الخدمات العلمية