الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 128 - 129 ] والأحب حينئذ كنذر الهدي بدنة ثم بقرة : [ ص: 130 ] كنذر الحفاء أو حمل فلان إن نوى التعب ، وإلا ركب وحج به بلا هدي

التالي السابق


( والأحب ) أي الأفضل ( حينئذ ) أي حين يلفظ بالهدي أو ينويه أو يذكر مقام إبراهيم أو ينويه . وشبه في الأحبية فقال ( كنذر الهدي ) المطلق وخبر الأحب ( بدنة ثم ) يليها ( بقرة ) والأحب الذي هو الندب منصب على الترتيب ، وأما الهدي فواجب بقيده ، فإن عجز عن البقرة فشاة واحدة لا سبع شياه لأن هذا نذر هديا مطلقا أو ما يفيده من نحر فلان ومن إفراده الشاة الواحدة وما سبق نذر بدنة بلفظها ، فإذا عجز [ ص: 130 ] عنها لزمه ما يقاربها من البقرة ، أو السبع شياه .

وشبه في صفة الهدي لا في حكمه فقال ( كنذر الحفاء ) بالمد وإهمال الحاء أي المشي لمكة بلا نعل إذ الأول واجب بقيده ، والاستحباب في ترتيبه ، وأما في نذر الحفاء فالهدي مستحب فقط ، ويلزمه الحج إن شاء منتعلا وإن شاء حافيا ، ويحتمل أنه تشبيه بقوله ، ولا يلزم في مالي . . . إلخ في عدم اللزوم ، وأدخل بالكاف المقدر دخولها على الحفاء الحبو والزحف والقهقرى ، وحيث لم يلزمه ما ذكر فيمشي في نذر الحفاء منتعلا إن شاء وفي نذر غيره على العادة ، وقد { نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نذر أن يمشي إلى الكعبة القهقرى فقال مروه ليمش إلى وجهه } .

( أو ) نذر ( حمل فلان ) على عنقه إلى بيت الله ( إن نوى التعب ) لنفسه بحمله فلا يلزمه ذلك ويجب عليه أن يحج هو ماشيا ويهدي ندبا . وقيل وجوبا ، فقوله الآتي بلا هدي لا يرجع لهذا ، وكلامه لا يفيد واحدا من هذه الثلاثة ( وإلا ) أي وإن لم ينو التعب بأن نوى بحمله إحجاجه معه أو لا نية له على ما لابن يونس وتأول الباجي الموطأ

عليه ( ركب وحج به ) أي فلان إن رضي فإن أبى فلا شيء له وحج هو وحده ( بلا هدي ) عليه فيهما ، وهذا ما لم يقل أحجه بضم الهمز وإلا لزمه إحجاجه في يمين حنث فيها كما في الشامل . وكذا في نذر كما لابن المنير عن مالك رضي الله عنه . ونص الشامل إن قال إن فعلت كذا فأنا أحجه فحنث أحجه من ماله إلا أن يأبى فلا شيء عليه وإن قال به حج راكبا وأخذه فلو قاله من غير يمين فإن شاء فعل وإن شاء ترك . وإن قال لله علي حمل هذا العمود ونحو لملكة قاصدا به المشقة مشى في نسك غير حامل شيئا وأهدى ، فإن ركب لعجزه فهدي فقط ، وإن كان يقدر على حمله ركب ، ولا شيء عليه . ا هـ . وقوله فلو قاله من غير يمين أي ومن غير نذر إذ لو قاله في نذر لزمه أيضا كما تقدم عن ابن المنير أفاده عب . [ ص: 131 ] البناني قوله وإلا ركب وحج به إنما يحمل هذا على ما إذا لم ينو شيئا أما إذا نوى إحجاجه ، فإن الحالف لا يلزمه حج بل يدفع فقط إلى الرحل ما يحتاج إليه من مؤنة الحج كما لأبي الحسن . وحاصل كلامه أن المسألة على ثلاثة أوجه تارة يحج الحالف وحده وهذا إذا أراد المشقة على نفسه بحمله على عنقه ، وتارة يحج المحلوف به وحده إذا أراد حمله من ماله ، وتارة يحجان جميعا إذا لم تكن له نية .ابن عاشر سكت المصنف عن الثاني من هذه الأوجه ، وقد أشار إليه في المدونة بقوله قال عنه علي إن نوى إحجاجه من ماله فلا شيء عليه إلا إحجاج الرجل ، قال أبو الحسن وهذا مما لا يختلف فيه ، وقد حمل أبو عمران وأبو إسحاق رواية علي على الوفاق لابن القاسم . ا هـ . وبه نعلم ما في كلام " ز " والله أعلم .




الخدمات العلمية