الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 11 ] الثالث : أول من صنف في المغازي عروة بن الزبير أحد أئمة التابعين ، ثم تلاه تلميذاه :

                                                                                                                                                                                                                              موسى بن عقبة ، ومحمد بن شهاب الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام مالك رحمه الله : مغازي موسى بن عقبة أصح المغازي . وقول السهيلي : إن مغازي الزهري أول ما صنف في الإسلام ليس كذلك . وأجمع الثلاثة ، وأشهرها مغازي أبي بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني ، نزل العراق رحمه الله تعالى ، وقد تكلم فيه جماعة وأثنى عليه آخرون . والمعتمد أنه صدوق يدلس ، وإذا صرح بالتحديث فهو حسن الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام الشافعي رحمه الله : من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق ، وقد اعتمد عليه في هذا الباب أئمة لا يحصون ، ورواها عن جمع ، ويقع عند بعضهم ما ليس عند بعض ، وقد اعتمد أبو محمد عبد الملك بن هشام رحمه الله على رواية أبي محمد زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي -بفتح الموحدة وتشديد الكاف- وهو صدوق ثبت في المغازي ، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين ، فرواها ابن هشام عنه وهذبها ونقحها ، وزاد فيها زيادات كثيرة ، واعترض أشياء سلم له كثير منها ، بحيث نسبت السيرة إليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اعتنى بكتاب ابن هشام أئمة من العلماء ، فشرح الإمام الحافظ أبو ذر الخشني رحمه الله غريب لغاته ، وهو على اختصاره مفيد جدا ، وشرح الإمام أبو القاسم السهيلي كثيرا من مشكلها ، واختصره الحافظ الذهبي وسماه بلبل الروض ، وأجحف في اختصاره الشمس محمد بن أحمد بن موسى الكفيري الدمشقي والتقي يحيى بن شيخ الإسلام الشمس الكرماني ، وسماه كل منهما زهر الروض ، والعلامة الشيخ عز الدين بن جماعة ، وسماه «نور الروض» والعلامة جمال الدين محمد بن مكرم صاحب «لسان العرب» ورأيت لبعض المحققين من السادة الحنفية حواشي مفيدة على هوامش نسخة من الروض نكت عليه فيها كثيرا ، وعلق الحافظ علاء الدين مغلطاي رحمه الله تعالى على الروض والسيرة كتابا في مجلدين ، رأيته بخطه تعقب فيه السهيلي كثيرا في النقل ، وذكر شرح كثير من غريب السيرة الذي أخل به ، وهو شيء كثير ، واختصره العلامة المرجاني وسماه روائح الزهر .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي أحمد محمد بن عايذ -بالتحتية ، والذال المعجمة- القرشي الدمشقي الكاتب كتاب كبير في ثلاثة مجلدات ، فيه فوائد ليست في كتاب ابن هشام .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي البغدادي كتاب جليل ، جمع فيه غالب الروايات عن ابن إسحاق مع زوائد كثيرة ، ولأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي رحمه الله تعالى كتاب كبير في المغازي أجاد فيه ، وهو وإن وثقه جماعة وتكلم فيه آخرون ، فالمعتمد أنه متروك ، ولا خلاف [ ص: 12 ] أنه كان من بحور العلم ومن سعة الحفظ بمكان ، وقد نقل عنه في هذا الباب أئمة من العلماء ، منهم الحافظان : أبو نعيم الأصفهاني وأبو بكر البيهقي رحمهما الله تعالى في دلائلهما . ومن المتأخرين الحافظ ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية من تاريخه ، والحافظ رحمه الله في الفتح وغيره ، وشيخنا رحمه الله في الخصائص الكبرى ، فاقتديت به ، ونقلت عنه ما لم أجده عند غيره . ثم رأيته ذكر في غزوة الحديبية عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه شيئا ، والمشهور أن المقداد قاله في غزوة بدر ، ولم أر أحدا من أصحاب المغازي التي وقفت عليها ذكره في غزوة الحديبية فأعرضت عن النقل عنه ، ثم بعد ذلك رأيت أبا بكر بن أبي شيبة رواه في المصنف من غير طريق الواقدي ، عن عروة بن الزبير ، فاستخرت الله تعالى في النقل عنه ، وذكر بعض فوائده فإنه كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب : ممن انتهى إليه العلم بالمغازي في زمانه ، وليس في ذلك شيء يتعلق بالحلال والحرام ، بل أخبار عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسرايا أصحابه ترتاح لها قلوب المحبين ، وألف العلماء في هذا الباب كتبا لا يحصيها إلا الله تعالى ، سأذكر النقل مما وقفت عليه النقل منها .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية