الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر الآيات التي وقعت عند ظهور الصخرة في الخندق

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، والإمام أحمد بسند جيد عن البراء بن عازب ، وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن عوف ، وأبو نعيم عن أنس ، والحارث والطبراني عن ابن عمر ، والطبراني بسند جيد ، عن ابن عباس ، والبيهقي وأبو نعيم من طريقين عن ابن شهاب ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، وابن إسحاق عن شيوخه :

                                                                                                                                                                                                                              أن المسلمين عرض لهم في بعض الخندق صخرة ، وفي لفظ كدية عظيمة شديدة بيضاء مدورة ، لا تأخذ فيها المعاول ، فكسرت حديدهم ، وشقت عليهم ، وفي حديث عمرو بن عوف : أنها عرضت لسلمان .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر محمد بن عمر أنها تعرضت لعمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة تركية فقال : أنا نازل ، ثم قام ، وبطنه معصوب بحجر من الجوع ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ، ثم دعا بما شاء الله أن [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                                                                              يدعو به ، ثم نضح من ذلك الماء عليها ، فيقول من حضرها : والذي بعثه بالحق إنها عادت كالكثيب المهيل ما ترد فأسا ولا مسحاة ، فأخذ المعول من سلمان ، وقال : «بسم الله» ، وضرب ضربة فكسر ثلثها ، وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كأن مصباحا في جوف ليل مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «أعطيت مفاتيح اليمن ، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة ، كأنها أنياب الكلاب» ، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر ، وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الروم فأضاء ما بين لابتي المدينة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني الساعة» . ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة من جهة فارس أضاءت ما بين لابتي المدينة ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب من مكاني هذا ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا بالنصر» . فاستسر المسلمون ، وقالوا : الحمد لله موعد صادق ، بأن وعدنا النصر بعد الحصر ، وجعل يصف لسلمان ، فقال سلمان : صدقت يا رسول الله ، هذه صفته ، أشهد أنك رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذه فتوح يفتحها الله تعالى بعدي يا سلمان ، لتفتحن الشام ، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته ، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد ، وليفتحن هذا المشرق ، ويقتل كسرى فلا يكون كسرى بعده»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال سلمان : فكل هذا قد رأيت .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو هريرة- فيما رواه ابن إسحاق - حين فتحت هذه الأمصار زمان عمر ، وزمان عثمان ومن بعده : «افتحوا ما بدا لكم ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما فتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله تعالى محمدا مفاتيحها قبل ذلك» .

                                                                                                                                                                                                                              فقال المنافقون : يخبركم محمد أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ، ولا تستطيعون أن تبرزوا ، فأنزل الله تبارك وتعالى :

                                                                                                                                                                                                                              وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
                                                                                                                                                                                                                              [الأحزاب : 12] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية