الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر ما كان المسلمون يرتجزون به من الشعر في عمل الخندق

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق وابن عمر : وارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له : جعيل- بضم الجيم- أو جعالة بن سراقة ، وكان رجلا دميما صالحا ، وكان يعمل في الخندق ، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يومئذ فسماه عمرا ، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول :


                                                                                                                                                                                                                              سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يوما ظهرا

                                                                                                                                                                                                                              وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئا من ذلك ، إلا إذا قالوا : عمرا ، وإذا قالوا : ظهرا ، قال : ظهرا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد والبخاري عن أنس رضي الله عنهما قالا : جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر في الخندق ، وننقل التراب على أكتادنا وفي لفظ :

                                                                                                                                                                                                                              أكتافنا ، وفي لفظ عن متوننا
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون يحفرون في غداة باردة ، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك ، فلما رأى ما هم فيه من النصب والجوع قال : «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فاغفر» ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : فأصلح ، وفي لفظ : فأكرم المهاجرين والأنصار ، وفي لفظ : فاغفر للأنصار والمهاجرة ، فقالوا مجيبين له :


                                                                                                                                                                                                                              نحن الذين بايعوا محمدا     على الجهاد ما بقينا أبدا

                                                                                                                                                                                                                              قال أنس : ويؤتونه بملء كفي شعير ، فيصنع لهم بإهالة سنخة ، توضع بين يدي القوم ، وهم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وأبو يعلى وابن أبي أسامة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب بياض بطنه ، وفي لفظ : حتى أغمر بطنه ، أو قال اغبر بطنه ، وفي لفظ : حتى وارى الغبار جلده ، وكان كثيف الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات لابن رواحة :


                                                                                                                                                                                                                              والله لولاك ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا
                                                                                                                                                                                                                              فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا
                                                                                                                                                                                                                              والمشركون قد بغوا علينا     إذا أرادوا فتنة أبينا

                                                                                                                                                                                                                              ورفع بها صوته : أبينا أبينا ، وفي رواية يمد صوته بآخرها ، ولفظ أبي يعلى : «اللهم لولا أنت» ، وقد بدل بتصدقنا «صمنا»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن سلمان رضي الله عنه ، وابن أبي أسامة عن أبي عثمان النهدي رحمه الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال : [ ص: 367 ]

                                                                                                                                                                                                                              باسم الإله وبه هدينا     ولو عبدنا غيره شقينا

                                                                                                                                                                                                                              يا حبذا ربا وحب دينا


                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة اجتهاده في العمل يضرب مرة بالمعول ومرة يغرف بالمسحاة التراب ، ومرة يحمل التراب في المكتل ، وبلغ منه التعب يوما مبلغا فجلس ، ثم اتكأ على حجر على شقه الأيسر فنام : فقام أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على رأسه ينحيان الناس عنه ، أن يمروا به ، فينبهوه ، ثم استيقظ ووثب فقال : أفلا أفزعتموني ! وأخذ الكرزن يضرب به ويقول :


                                                                                                                                                                                                                              اللهم إن العيش عيش الآخرة     فاغفر للأنصار والمهاجرة
                                                                                                                                                                                                                              اللهم العن عضلا والقارة     فهم كلفوني أنقل الحجارة

                                                                                                                                                                                                                              وعمل المسلمون في الخندق حتى أحكموه .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر ، وابن سعد : في ستة أيام .

                                                                                                                                                                                                                              وكان الخندق بسطة أو نحوها .

                                                                                                                                                                                                                              وأعقب بين عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ، فتكون عائشة عنده أياما ، ثم تكون أم سلمة عنده أياما ، ثم تكون زينب عنده أياما ، فهؤلاء الثلاث اللاتي يعقب بينهن في الخندق ، وسائر نسائه في أطم بني حارثة ، وكان حصينا ، ويقال : كن في النسر أطم في بني زريق ، ويقال : كان بعضهن في فارع .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية