الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في رمضان . قال ابن سعد : يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت ، وقال ابن هشام : لثمان ليال خلون من شهر رمضان ، وضرب عسكره ببئر أبي عنبة -بكسر العين وفتح النون بلفظ اسم المأكول- وهي على ميل من المدينة . فعرض أصحابه ، ورد من استصغر منهم ، فرد عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، ورافع بن خديج ، والبراء بن عازب ، وأسيد بن حضير ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعمير بن أبي وقاص ، فقال : ارجع ، فبكى فأجازه ، فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة ، وأمر أصحابه أن يستقوا من بئر السقيا ، وشرب من مائها ، وصلى عند بيوت السقيا ، ودعا يومئذ للمدينة فقال : اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لأهل مكة ، وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة ، أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم ، اللهم حبب إلينا المدينة ، واجعل ما بها من الوباء بخم ، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة .

                                                                                                                                                                                                                              وكان خبيب بن إساف ذا بأس ونجدة ولم يكن أسلم ، ولكنه خرج منجدا لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصحبنا إلا من كان على ديننا ، فأسلم وأبلى بلاء حسنا ، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صلى الله عليه وسلم حين فصل منها : اللهم إنهم حفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأشبعهم ، وعالة فأغنهم من فضلك . [ ص: 24 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، وكان أبيض ، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان : إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها : العقاب ، وكان سنه إذ ذاك عشرين سنة ، وكانت الأخرى مع بعض الأنصار .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سعد : كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ ، وجزم بذلك في الهدي .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو الفتح : والمعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ، وأن لواء المهاجرين كان بيد علي . قلت : العريش كان ببدر ، والذي ذكره ابن سعد كان في الطريق .

                                                                                                                                                                                                                              واستخلف ابن أم مكتوم على الصلاة ، ورد أبا لبابة من الروحاء واستخلفه على المدينة ، وكان عليه صلى الله عليه وسلم درعه ذات الفضول ، وتوشح بسيف أهداه له سعد بن عبادة يقال له : العضب ، وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وزيد بن حارثة -ويقال : مرثد بن أبي مرثد- يعتقبون بعيرا ، وقيل : وكان حمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو كبشة ، وأنسة مولى النبي صلى الله عليه وسلم على بعير ، وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا ، ورفاعة وخلاد ابنا رافع بن مالك بن العجلان وعبيد بن يزيد بن عامر بن العجلان الأنصاريون يعتقبون بعيرا ، حتى إذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم وأعيا ، فهم بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله برك علينا بكرنا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض وتوضأ في إناء ، ثم قال : «افتحا فاه» ففعلا فصبه في فيه ، ثم على رأسه وعنقه ، ثم على حاركه وسنامه ، ثم على عجزه ، ثم على ذنبه ثم قال : «اركبا» ومضى فلحقاه ، وإن بكرهم لينفر بهم حتى إذا كانوا بالمصلى في المدينة ، وهم راجعون من بدر ، برك عليهم فنحره خلاد فقسم لحمه ، وتصدق به . رواه البزار والطبراني .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن سعد ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير ، وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا كانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا : اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك ، فيقول : «ما أنتما بأقوى مني على المشي ، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما» .

                                                                                                                                                                                                                              قال في البداية والعيون : وهذا قبل أن يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة من الروحاء . ثم كان زميلاه عليا وزيدا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عقبة وابن إسحاق والذهبي وابن القيم : كان زميلاه مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، وعليا ، وجعلوا زيدا مع حمزة كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              وكان معهم فرسان :

                                                                                                                                                                                                                              فرس للمقداد بن الأسود يقال له : سبحة -بفتح السين المهملة وإسكان الموحدة وبالحاء المهملة ثم تاء تأنيث- وقيل : يقال له : بعرجة -بموحدة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فراء فجيم مفتوحتين فتاء تأنيث- والبعرجة : شدة [ ص: 25 ] جري الفرس .

                                                                                                                                                                                                                              وفرس الزبير بن العوام ، يسمى : السيل ، ويقال : اليعسوب -بفتح المثناة التحتية فعين ساكنة مهملة ، فسين مضمومة مهملة كذلك ، فواو ساكنة ، فموحدة- ولابن سعد في رواية عن يزيد بن رومان قال : كان معهم ثلاثة ، وزاد فرسا لمرثد بن أبي مرثد الغنوي ، يقال له : السيل .

                                                                                                                                                                                                                              واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشاة- وهم في الساقة- قيس بن أبي صعصعة -واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول- وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين فوقف بهم عند بئر أبي عنبة فعدهم ، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ففرح بذلك وقال : عدة أصحاب طالوت .

                                                                                                                                                                                                                              وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص وهم بتربان : يا سعد انظر إلى الظبي ففوق له بسهم ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ذقنه بين منكبي سعد وأذنيه ، ثم قال : ارم ، اللهم سدد رميته ، فما أخطأ سهم سعد عن نحر الظبي ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج سعد يعدو فأخذه وبه رمق ، فذكاه وحمله ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسم بين أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                              وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلا من الأعراب فسألوه عن الناس ، فلم يجدوا عنده خبرا ، فقالوا له : سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أوفيكم رسول الله ؟ قالوا : نعم ، فسلم عليه ، ثم قال : إن كنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه ، فقال سلمة بن سلامة بن وقش : لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فأنا أخبرك عن ذلك ، قد نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مه ، أفحشت على الرجل» ثم أعرض عن سلمة .

                                                                                                                                                                                                                              ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج وهي بئر الروحاء ، ثم ارتحل منها حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار ، وسلك ذات اليمين على النازية ، يريد بدرا ، فسلك في ناحية فيها حتى إذا جزع واديا يقال له : الرحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء ، ثم على المضيق ، ثم انصب منه حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة ، وعدي بن أبي الزغباء حليف بني النجار ، إلى بدر يتحسسان له الأخبار عن أبي سفيان .

                                                                                                                                                                                                                              ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين ، ثم نادى مناديه : يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا ، وذلك أنه قد كان قال لهم قبل ذلك : أفطروا فلم يفعلوا . ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قدمهم ، فلما استقبل الصفراء -وهي قرية بين جبلين- سأل عن جبليها ما اسماهما ؟ فقالوا : يقال لأحدهما : مسلح ، وقالوا للآخر : مخرئ ، وسأل عن أهلها فقيل : بنو النار وبنو حراق ، بطنان من بني غفار ، فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما ، وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما ، فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار ، وسلك ذات اليمين على واد يقال له : ذفران ، وجزع فيه ثم نزل ، وأتاه الخبر بمسير قريش ، ليمنعوا عيرهم ، فاستشار [ ص: 26 ] الناس ، فتكلم المهاجرون فأحسنوا ، ثم استشارهم ، وفي رواية : فقام أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ، ثم قام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله ، فنحن معك ، والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون [المائدة : 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، عن يمينك وشمالك ، وبين يديك وخلفك ، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له خيرا ودعا له .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ : أن عمر قال : يا رسول الله : إنها قريش وعزها ، والله ما ذلت منذ عزت ولا أمنت منذ كفرت ، والله لتقابلنك ، فأهب لذلك أهبته ، وأعد لذلك عدته . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار أنه يعنيهم ، وذلك أنهم عدد الناس ، فقام سعد بن معاذ ، رضي الله عنه وجزاه خيرا ، فقال : يا رسول الله ، كأنك تعرض بنا . قال : أجل ، وكان إنما يعنيهم؛ لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم ، فاستشارهم ليعلم ما عندهم ، فقال سعد : يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، على السمع والطاعة ، فامض لما أردت ، ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم ، فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان -وفي رواية : برك الغماد من ذي يمن- لنسيرن معك ، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن نلقى عدونا غدا؛ إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره ، فسر بنا على بركة الله ، فنحن عن يمينك وشمالك ، وبين يديك وخلفك ، ولا نكونن كالذين قالوا لموسى : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر بقول سعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيروا على بركة الله ، وأبشروا؛ فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» وكره جماعة لقاء العدو .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : كان الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين ، وكان أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة ، وأحصى نفرا ، فلما سبقت العير وفاتت [ ص: 27 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين ، يريد القوم ، فكره القوم مسيرهم لشوكتهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب قال : لما سرنا يوما أو يومين قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم» ؟ فقلنا : والله ما لنا طاقة بقتال القوم ، ولكن أردنا العير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك ، وذكر الحديث ، فأنزل الله تعالى : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون [الأنفال : 5] ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ، فسلك ثنايا يقال لها : الأصافر ، ثم انحط منها إلى بلد يقال له : الدبة ، وترك الحنان بيمين ، وهو كثيب عظيم كالجبل العظيم ، ثم نزل قريبا من بدر ، فركب هو وأبو بكر الصديق حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم ، فقال الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أخبرتنا أخبرناك» قال : أذاك بذاك ؟ قال : «نعم» ، قال الشيخ : فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بكذا وكذا ، للمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا ، للمكان الذي فيه قريش ، فلما فرغ من خبره قال : ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نحن من ماء» ثم انصرفا عنه ، والشيخ يقول : ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام : ويقال : ذلك الشيخ سفيان الضمري .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء ببدر ، يلتمسون الخبر له ، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم ، غلام بني الحجاج ، وعريض- بفتح العين المهملة وكسر الراء ثم مثناة تحتية ساكنة ثم ضاد معجمة- كذا في النور ، أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد ، فأتوا بهما ، فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان (وأصحاب العير) فضربوهما . فلما أذلقوهما قالا : نحن لأبي سفيان (ونحن في العير ) فتركوهما . وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال : «إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا والله؛ إنهما لقريش ، أخبراني عن قريش» ؟ قالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى -والكثيب : العقنقل- فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كم القوم ؟ » قالا : كثير ، قال : ما عدتهم ؟ قالا : لا ندري ، قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوما تسعا ويوما عشرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القوم ما بين التسعمائة والألف ، ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فمن فيهم من أشراف قريش ؟ » قالا : [ ص: 28 ] عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر بن نوفل ، وطعيمة بن عدي بن نوفل ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عائذ : وكان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال . وكان بسبس بن عمرو ، وعدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا ، فأناخا إلى [تل] قريب من الماء ، ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ، ومجدي بن عمرو الجهني على الماء ، فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما يتلازمان على الماء ، والملزومة تقول لصاحبتها : إنما تأتي العير غدا أو بعد غد ، فأعمل لهم ، ثم أقضيك الذي لك . قال مجدي : صدقت ، ثم خلص بينهما . وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه بما سمعا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية