الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأما الوقف على المهموز; فعلة من خص بالتخفيف الوقف دون الوصل: أن الوقف موضع استراحة، وأكثر ما يستعمل عند فتور الصوت وكلاله، فإخراج الهمزة في تلك الحال يتعذر; لبعد مخرجها، وفتور الصوت وضعفه، هذا إذا كانت الهمزة في طرف الكلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن كانت في وسطها; فهي أيضا قريبة من الطرف، ويلحقها أيضا من [ ص: 232 ] فتور الصوت وضعفه بعض ما يلحق المتطرفة، فخففت لذلك، وحملا لها على المتطرفة، على مذاهبهم في حمل الشيء على حكم ما جاوره، أو شاركه في بعض الأحوال، أو قاربه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم تخفف المبتدأة; إذ لا يمكن جعلها بين بين; لامتناع الابتداء بالساكن أو ما قرب منه، ولم يمكن حذفها رأسا; لئلا يخل بالكلمة، ولم يكن قبلها ساكن; فتلقى حركتها عليه، ولم يكن قبلها حرف مد ولين; فتبدل حرفا مثله، فلما امتنعت هذه الوجوه; لم يبق إلا التحقيق.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما التي في حكم أول; فمن حققها; حملها على أصلها، ومن خففها; حملها على لفظها، وكان تخفيف الساكنة بالبدل; لأنها لا حركة لها، فاعتمد بها [على أقرب الحركات إليها; وهي الحركة التي قبلها، وجعلت المحركة المتحرك ما قبلها بين بين; لكون حركتها أولى بها] من حركة غيرها، فدبرت بها، قال سيبويه: ولم تجعل ياءات، ولا واوات; لأن أصلها الهمز، فكرهوا أن يخففوا على غير ذلك; [ ص: 233 ] فتحول عن بابها، فجعلوها بين بين; ليعلموا أن أصلها الهمز عندهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يسغ جعل المفتوحة إذا انضم ما قبلها أو انكسر بين بين; لما قدمناه من كونها قريبة من الألف، والألف لا ينضم ما قبلها، ولا ينكسر، فإذا انضمت وانكسر ما قبلها، أو انكسرت وانضم ما قبلها; فإن النطق بها ممكن إذا جعلت بين بين، وهو مذهب سيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذهب الأخفش: إلى إبدالها حرفا كالحرف الذي منه حركة ما قبلها; فقال في سئل [البقرة: 108]: (سول)، وفي مستهزئون [البقرة: 14]: (مستهزيون); [لئلا يأتي بهمزة بين واو وهمزة قد قربت من الواو الساكنة وقبلها كسرة، أو همزة مقربة من الياء الساكنة وقبلها ضمة]، وإبداله الهمزة في مستهزئون ياء يؤدي إلى مجيء ياء هي لام الفعل متحركة بالضم وقبلها كسرة، وذلك مرفوض.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها، وهي في طرف الكلمة; فمن أبدلها حرفا كالحرف الذي منه حركة ما قبلها على كل حال; فوجهه: أن حكم الموقوف عليه السكون، فحملت محمل الساكنة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 234 ] ومن وقف عليها بين بين; فعلى مذهب الروم في الوقف، وهو بعض حركة، فأجريت على حكم المتحركة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن عم الحركات الثلاث; فعلى مذهب من يأخذ بالروم في المفتوح; كالمضموم، والمكسور، وهو مروي قد ذكرته في “الكبير”، وهذا مذهب إنما يحمل على الروم، لا على الإشمام; لأن الإشمام ليس بحركة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن فرق بين المفتوح وبين المضموم والمكسور; فعلى أن المفتوح لا روم فيه، وهو الأكثر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أبدلها حرفا كالحرف الذي منه حركة نفسها; فلأن حركتها في حكم الثبات، فكانت أولى بها من غيرها، وهذا مذهب مروي عن العرب، قال سيبويه: منهم من يقول: (هذا الكلو)، و (رأيت الكلا)، و (مررت بالكلي)، يفعلون ذلك; حرصا على البيان.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الهمزة المتحركة وقبلها ساكن سالم; فقد تقدم وجه كون التخفيف بإلقاء الحركة، ومن روى إلقاء الحركة في قوله: (كفئا) [الإخلاص: 4]، و ( هزءا) [البقرة: 67]، و جزءا [البقرة: 260]; أجراهن على الأصل، وإثبات هزوا [ ص: 235 ] و كفوا بالواو في المصحف إنما هو على مذهب من يضم في الوصل، ومن أبدل الهمزة واوا في الكلمات الثلاث; فهو على مراعاة الأصل الذي هو الضم فيهن، والهمزة إذا انفتحت وانضم ما قبلها; أبدلت واوا، ومن ألقى الحركة في (جزء) دون صاحبيه; فلأن استعمال الإسكان في (الجزء) أكثر منه في صاحبيه، ويقوي ذلك موافقة صاحب هذا المذهب لخط المصحف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية