الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والقول في الواو والياء الأصليتين يقعان قبل الهمزة كالقول في الساكن السالم، فأما موئلا [الكهف: 58]; فمن ألقى الحركة; فعلى الأصل المذكور، ومن أدغم، وشدد; فعلى مذهب من أجرى الأصلي مجرى الزائد; [لاشتباههما في اللفظ، يقويه: إجراؤهم الأصلي مجرى الزائد] في نحو: (حبلوي); فأجروا النسب إلى (حبلى) مجرى النسب إلى (موسى)، هذا على أن وزن (موسى) (مفعل)، ومن راعى مجانسة ما قبل الحرف الأصلي من الحركات له; فلأن كون الواو الأصلية مضموما ما قبلها، وكون الياء الأصلية مكسورا ما قبلها; أقوى من شبه الأصلي بالزائد، وأما من قال: {مويلا} ; فهو شاذ، وهو على إبدال الهمزة بحركة نفسها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 236 ] وأما الموءودة [التكوير: 8]; فمن قال فيه: {المودة}; فهو على الحذف، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون الهمزة نقلت حركتها إلى الواو، وحذفت، ثم استثقلت الضمة في الواو، فأسكنت، وحذفت إحدى الواوين، وهي الأخيرة، ويجوز أن تكون الهمزة حذفت رأسا، وهو مذهب للعرب في حذف الهمزة; للتخفيف.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الواو والياء الزائدتان للمد واللين; فإن الحركة لم تلق عليهما كما ألقيت على الأصليتين; لشبههما بالألف، وقد تقدم القول في ذلك في باب نقل الحركة، ولم يحركوا الهمزة بعدهما بين بين; لأن المد الذي فيهما لا يبلغ المد الذي في الألف وإن أشبهتاه في حال، فصار وقوع همزة بين بين بعدهما شبيها بوقوعها بعد الساكن السالم، وذلك كالجمع بين الساكنين، ولم يسغ وقوع همزة بين بين بعد الساكن كما ساغ وقوعها قبله; لأن الهمزة إذا كانت قبل; كانت حركتها في التقدير حائلة بينها وبين الساكن; [لكون الحركات مقدرة بعد الحروف، وهمزة بين بين لها حركة; لأنها بوزن المحققة; فحركتها تحجز بينها وبين الساكن]، وهي إذا وقعت بعد الساكن; لم تحل بينها وبينه حركة; لأن حركتها مقدرة بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 237 ] فأما وقوع همزة بين بين بعد الألف; فإنما ساغ بسبب تمكن المد الذي فيها، ألا تراها لا تتحرك، ولا يدغم فيها، ولا يكون ما قبلها إلا من جنسها؟ والياء والواو يتحركان، وتكون الحركة التي قبلهما من غير جنسهما، ويدغمان، ويدغم فيهما المماثل لهما، ولزيادة المد الذي في الألف انفردت في التأسيس، ولم يدخل فيه الواو والياء، فضارعت بقوة المد الذي فيها وتمكنه المتحركة، فوقعت بعدها همزة بين بين كما تقع بعد المتحرك، ونقصت الواو والياء عن رتبتها في المد، فلم يحتملا وقوع همزة بين بين بعدهما، فجعل لهما حكما متوسطا بين حكم حروف السلامة وحكم الألف; لزيادتهما على حروف السلامة، ونقصهما عن الألف.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الوجوه المذكورة في المتطرفة التي قبلها الألف; فمن جعلها بين بين في الوجوه الثلاثة; فهو على مذهب الأخذ بالروم، والروم بعض حركة، فحكم لها بحكم المتحركة التي قبلها الألف، هذا على أن يؤخذ في المفتوح بروم الحركة، وهو مروي عن القراء، وجائز عند سائر النحويين سوى أبي حاتم، والوقف على همزة بين بين مروي عن جماعة من النحويين والقراء، وقد بسطت القول فيه في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 238 ] ومن فرق بين الرفع والجر وبين النصب; فهو على ترك الروم في المفتوح، فتصير الهمزة ساكنة، وقبلها فتحة، ولم يعتد بالألف; إذ ليست بحاجز حصين، فأبدلت ألفا، فمن جمع بين الألفين; فيقول: جمعت بينهما; كما أجمع في الوقف بين كل ساكنين، ويمد قدر ألفين، ومن حذف إحداهما; قال: إن الجمع بين ألفين مستحيل; من جهة أن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، فإذا أجزنا وقوع ألف قبل ألف; صرنا قد جئنا بألف قبلها ساكن، مع أن كثيرا من النحويين يرون المدة وإن طالت ألفا واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما المتطرفة التي تكون في الوصل متحركة متحركا ما قبلها; فالقول في الوقف على همزة بين بين في الحركات الثلاث لمن أخذ به حسب ما تقدم، والقول في الفرق بين الحركات أيضا كذلك، والقول لمن أبدلها بحركة نفسها: أنه مذهب للعرب معروف، وقد قدمنا ذكره، والقول لمن أبدلها حرفا كالحرف الذي منه حركة ما قبلها: أنه حملها على حكم الساكنة; لأن الأصل في الوقف السكون; كما كان الأصل في الابتداء الحركة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض القراء: الوقف على همزة بين بين ممتنع;
                                                                                                                                                                                                                                      لأنها لا يدخلها روم; [ ص: 239 ] إذ هي مقربة من الساكن، كما لا يدخل الساكن; لأن الروم [بعض] حركة، ولا يدخلها إشمام; لأن رنة الحركة فيها، والإشمام إنما هو ضم الشفتين بعد الإسكان من غير صوت يسمع، فامتنع الوقف عليها، فحملت الهمزة المتطرفة -على مذهب من منع الوقف على همزة بين بين- على حكم السكون، فدبرها ما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      هذه جملة مختصرة من علل هذا الباب، قد بسطتها في “الكبير”، وأنعمت القول فيها وفيما شذ عن الأصول من الحروف، وجئت ههنا بما يحتمل الكتاب منه، والله المستعان، والموفق للصواب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية