الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والقول في إدغام الأصول الخمسة يجري على سنن القول في إدغام الحروف السواكن، إلا أنه خالف أصله في مواضع; للجمع بين اللغتين، وقد تقصيت ذلك كله في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما النون والتنوين; فوجه إظهارهما عند حروف الحلق: ما بينهما وبينهن من البعد، وإدغامهما في الراء واللام بسبب القرب، وإدغامهما في الميم; لما بينهما [وبينها] من الاشتراك في الغنة والجهر، وصوتها واحد، وإدغامهما في الواو; [ ص: 291 ] لأن الواو من مخرج الميم، فأجريت مجراها، مع أن الغنة التي في النون تشبه المد واللين الذي في الواو، وكذلك تشبه المد واللين الذي في الياء، مع أن الياء أخت الواو، فجعل حكمهما سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وبقاء الغنة عند النون والميم ظاهر; لأن في كل واحد من المدغم والمدغم فيه غنة، فإذا سقطت غنة المدغم; بقيت غنة المدغم فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وبقاء الغنة عند الواو والياء; لما قدمناه من شبه المد واللين بالغنة، ومن لم يبق الغنة في الإدغام فيهما; فلأن النون قد قلبت واوا عند الواو، وياء عند الياء، قبل الإدغام، فذهبت غنتهما.

                                                                                                                                                                                                                                      والإدغام في الراء واللام بغير غنة; لشدة ما بين النون وبينهما من القرب، وحق المدغم أن يذهب جميع لفظه، فلما قرب المدغم من المدغم فيه; أنعم إدغامه، فذهبت الغنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وامتناع الإدغام في المتصل; [نحو: الدنيا [البقرة: 85]، و صنوان [الرعد: 4] ] وجهه: كراهة الالتباس في الأبنية، والإدغام فيما لا يقع فيه اللبس جائز; نحو: (امحى الرسم).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 292 ] ووجه قلب النون ميما عند الباء: أن الميم مؤاخية للباء في المخرج، والجهر، والشدة، وهي مؤاخية للنون في الغنة، فلما وقعت النون قبل الباء، وكانت الميم لا تدغم في الباء، على قربها منها، ولم يمكن أن تدغم النون في الباء; كما لم تدغم فيها الميم التي هي أقرب إليها منها، ولم يمكن إظهارها; لما فيه من المشقة والكلفة مع الباء; بسبب أن إخراج الباء يمنع من إتمام الصوت الذي في الخيشوم لما كانت الباء تنطبق بها الشفتان، فلم يسهل الإظهار، ولا الإدغام; لما قلناه، ولم يحسن الإخفاء; كما لم يحسن الإدغام، فلما امتنعت الوجوه الثلاثة; لم يبق إلا القلب، فخصت الميم; لأنها تشبه النون في الغنة، وتشبه الباء في المخرج، واتفق في ذلك المتصل والمنفصل; لما لم يخف اللبس; لأن الميم لم تقع قبل الباء ساكنة في كلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم الفراء أن النون عند الباء مخفاة، وقد بينت رد النحويين عليه في “الكبير”.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما إخفاء النون والتنوين عند الحروف التي تخفيان عندها; فلأن تلك الحروف [ ص: 293 ] لم تقرب قرب المدغم فيهما، ولا بعدت بعد المظهر عندهما، فجعل لها حال بين حالين; وهو الإخفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      فهذه جملة مختصرة من اختصار القول في علل الإدغام، وقد بسطتها في “الكبير”، والله المستعان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية