الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5868 ) فصل : فإن قال لزوجته وأجنبية : إحداكما طالق . أو قال لحماته : ابنتك طالق . ولها بنت سوى امرأته . أو كان اسم زوجته زينب ، فقال : زينب طالق . طلقت زوجته ; لأنه لا يملك طلاق غيرها . فإن قال : أردت الأجنبية . لم يصدق . نص عليه أحمد ، في رجل تزوج امرأة ، فقال لحماته : ابنتك طالق . وقال : أردت ابنتك الأخرى ، التي ليست بزوجتي ، فقال : يحنث ، ولا يقبل منه . وقال في رواية أبي داود ، في رجل له امرأتان ، اسماهما فاطمة ، فماتت إحداهما ، فقال : فاطمة طالق . ينوي الميتة ، فقال : الميتة تطلق ، قال أبو داود : كأنه لا يصدقه في الحكم . وقال القاضي ، فيما إذا نظر إلى امرأته ، وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق . وقال : أردت الأجنبية . فهل يقبل ؟ على روايتين . وقال الشافعي : يقبل هاهنا ، ولا يقبل فيما إذا قال : زينب طالق . وقال : أردت أجنبية اسمها زينب . لأن زينب لا يتناول الأجنبية بصريحه ، بل من جهة الدليل ، وقد عارضه دليل آخر وهو أنه لا يطلق غير زوجته أظهر ، فصار اللفظ في زوجته أظهر ، فلم يقبل خلافه ، أما إذا قال : إحداهما . فإنه يتناول الأجنبية بصريحه . وقال أصحاب الرأي ، وأبو ثور : يقبل في الجميع ; لأنه فسر كلامه بما يحتمله .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح ، فلم يقبل تفسيره بها ، كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله ، وكما لو قال : زينب طالق . عند الشافعي ، وما ذكروه من الفرق لا يصح ، فإن إحداكما ليس بصريح في واحدة منهما ، إنما يتناول واحدة لا بعينها ، وزينب يتناول واحدة لا بعينها ، ثم تعينت الزوجة لكونها محل الطلاق ، وخطاب غيرها به عبث ، كما إذا قال : إحداكما طالق . ثم لو تناولها بصريحه لكنه صرفه عنها دليل ، فصار ظاهرا في غيرها ، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين : " أحدكما كاذب " . لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما وحده ، ولما قال حسان ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان : فشركما لخيركما الفداء لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وحده ، وخيرهما النبي صلى الله عليه وسلم وحده .

                                                                                                                                            وهذا في الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى ، فيدين فيه ، فمتى علم من نفسه أنه أراد الأجنبية ، لم تطلق زوجته ; لأن اللفظ محتمل له ، وإن كان غير مقيد . ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية ، مثل أن يدفع بيمينه ظلما ، أو يتخلص بها من مكروه ، قبل قوله في الحكم ; لوجود الدليل الصارف إليها . وإن لم ينو زوجته ، ولا الأجنبية ، طلقت زوجته ; لأنها محل الطلاق ، واللفظ يحتملها ويصلح لها ، ولم يصرفه عنها ، فوقع به ، كما لو نواها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية