الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5588 ) فصل : وحكم الصداق حكم البيع ، في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه ، وما عداه لا يحتاج إلى قبض ، ولها التصرف فيه قبل قبضه . وقال القاضي : ما كان متعينا فلها التصرف فيه ، وما لم يكن متعينا ، كالقفيز من صبرة ، والرطل من زيت من دن ، لا تملك التصرف فيه حتى تقبضه ، كالمبيع ، وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى ، أنها لا تملك التصرف في شيء منه قبل قبضه . وهذا مذهب الشافعي . وهذا أصل ذكر في البيع .

                                                                                                                                            وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه ، كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه ; لأنه بذل لا ينفسخ السبب الذي ملك به بهلاكه ، فجاز التصرف فيه قبل قبضه ، كالوصية والميراث . وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها ، وهو نوع تصرف فيه ، وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه ، فهو من ضمانها إن تلف أو نقص ، وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج . وإن منعها الزوج قبضه ، أو لم يمكنها منه فهو من ضمانه على كل حال ; لأن يده عادية فضمنه كالغاصب . وقد نقل مهنا ، عن أحمد في رجل تزوج امرأة على هذا الغلام ، ففقئت عينه ، فقال : إن كانت قبضته ، فهو لها ، وإن لم تكن قبضته ، فهو على الزوج . فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج بكل حال وهو مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وكل موضع قلنا : هو من ضمان الزوج قبل القبض . إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ، ويضمنه بمثله إن كان مثليا ، وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي في القديم وقال في الجديد : يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع في المعوض ، فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته ، كالمبيع ، ومهر المثل هو القيمة ، فوجب الرجوع إليه . ولنا أن كل عين يجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها ، فالواجب بدلها ، كالمغصوب والقرض والعارية ، وفارق المبيع إذا تلف فإن البيع انفسخ ، وزال سبب الاستحقاق .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال ; أحدها ، أن يتلف بفعلها ، فيكون ذلك قبضا منها ، ويسقط عن الزوج ضمانه . والثاني ، تلف بفعل الزوج ، فهو من ضمانه على كل حال ، ويضمنه لها بما ذكرناه . [ ص: 178 ] والثالث ، أتلفه أجنبي ، فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي بضمانه ، وبين الرجوع على الزوج ، ويرجع الزوج على المتلف . الرابع ، تلف بفعل الله تعالى ، فهو على ما ذكرناه من التفصيل في صدر المسألة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية