الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5589 ) فصل : إذا طلق المرأة قبل الدخول ، وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود ، لم يخل من ثلاثة أقسام : أحدها ، ما يزيل الملك عن الرقبة ، كالبيع والهبة والعتق ، فهذا يمنع الرجوع ، وله نصف القيمة ; لزوال ملكها ، وانقطاع تصرفها . فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ، ثم طلقها وهي في يدها بحالها ، فله الرجوع في نصفها ; لأنه وجدها بعينها ، فأشبه ما لو لم يخرجها ، ولا يلزم الوالد إذا وهب لولده شيئا فخرج عن ملكه ، ثم عاد إليه ، حيث لا يملك الرجوع فيه ، لأننا نمنع ذلك ، وإن سلمناه فإن حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال ، بدليل أنه لا يطالب ببذله ، والزوج لم يسقط حقه بالكلية ، بل يرجع بنصف قيمته عند عدمه ، فإذا وجد كان الرجوع في عينه أولى .

                                                                                                                                            وفي معنى هذه التصرفات الرهن ، فإنه وإن لم يزل الملك عن الرقبة ، لكنه يراد للبيع المزيل للملك ، ولذلك لا يجوز رهن ما لا يجوز بيعه ، ففي الرجوع في العين إبطال لحق المرتهن من الوثيقة ، فلم يجز ، وكذلك الكتابة ، فإنها تراد للعتق المزيل للملك ، وهي عقد لازم ، فجرت مجرى الرهن . فإن طلق الزوج قبل إقباض الهبة أو الرهن ، أو في مدة الخيار في البيع ، ففيه وجهان : أحدهما ، لا تجبر على رد نصفه إليه ; لأنه عقد عقدته في ملكها ، فلم تملك إبطاله ، كاللازم ، ولأن ملكها قد زال ، فلم تملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها . والثاني ، تجبر على تسليم نصفه ; لأنها قادرة على ذلك ، ولا زيادة فيها .

                                                                                                                                            وللشافعي قولان ، كهذين الوجهين . فأما إن طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ، ولزوم البيع ، فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة ، لم يكن له الرجوع في نصفها ; لأن حقه يثبت في القيمة . الثاني تصرف غير لازم لا ينقل الملك ، كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل حق الرجوع في نصفه ، ويكون وجود هذا التصرف كعدمه ; لأنه تصرف لم ينقل الملك ، ولم يمنع المالك من التصرف ، فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع ، كالإيداع والعارية . فأما إن دبرته ، فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه وصية ، أو تعليق نصفه ، وكلاهما لا يمنع الرجوع ، ولأنه لا يمنع البيع ، فلم يمنع الرجوع كالوصية .

                                                                                                                                            ولا يجبر الزوج على الرجوع في نصفه ، بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته ; لأن شركة من نصفه مدبر نقص ، ولا يؤمن أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه . وإن كانت أمة فدبرتها ، خرج على الروايتين ، إن قلنا : تباع في الدين فهي كالعبد ، وإن قلنا : لا تباع . لم يجبر الزوج على الرجوع في نصفها . وإن كاتبت الأمة أو العبد ، لم يجبر الزوج على [ ص: 179 ] الرجوع في العبد ; لأنه نقص . وإن اختار الرجوع ، وقلنا : الكتابة تمنع البيع . منعت الرجوع .

                                                                                                                                            وإن قلنا : لا تمنع البيع . احتمل أن لا تمنع الرجوع كالتدبير ، واحتمل أن تمنعه ; لأن الكتابة عقد لازم يراد لإزالة الملك ، فمنعت الرجوع كالرهن . الثالث : تصرف لازم لا يراد لإزالة الملك ، كالإجارة والتزويج ، فهذا نقص ، فيتخير بين أن يرجع في نصفه ناقصا ; لأنه رضي بحقه ناقصا ، وبين الرجوع في نصف قيمته ، فإن رجع في نصف المستأجر ، صبر حتى تنفسخ الإجارة . فإن قيل : فقد قلتم في الطلع الحادث في النخل : إذا قال : أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة ، لم يكن له ذلك قلنا : الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له ، فلا يلزمها قبول منته ، بخلاف مسألتنا ، ولأن ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة ، ووقت جذاذها ، وقطعها لخوف العطش أو غيره ، بخلاف مسألتنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية