الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5999 ) مسألة ; قال : ( وإذا قال : أنت طالق إذا قدم فلان . فقدم به ميتا ، أو مكرها ، لم تطلق ) أما إذا قدم به ميتا ، أو مكرها محمولا ، فلا تطلق ; لأنه لم يقدم ، إنما قدم به . وهذا قول الشافعي . ونقل عن أبي بكر ، أنه يحنث ; لأن الفعل ينسب إليه ، ولذلك يقال : دخل الطعام البلد . إذا حمل إليه . ولو قال : أنت طالق إذا دخل الطعام البلد . طلقت إذا حمل إليه . ولنا ، أن الفعل ليس منه ، والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا ، والكلام عند إطلاقه لحقيقته إذا أمكن ، وأما الطعام ، فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة ، فتعين حمل الدخول فيه على مجازه .

                                                                                                                                            وأما إن قدم بنفسه لإكراه ، فعلى قول الخرقي : لا يحنث . وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي . وقال أبو بكر : يحنث . وحكاه عن أحمد ; لأن الفعل منه حقيقة ، وينسب إليه ، قال الله تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها } . ويصح أمر المكره بالفعل ، قال الله تعالى : { ادخلوا أبواب جهنم } . ولولا أن الفعل يتحقق منه ، لما صح أمره به . ووجه الأول ، أنه بالإكراه زال اختياره ، فإذا وجدت الصفة منه ، كان كوجود الطلاق منه مكرها ، وهذا فيما إذا أطلق .

                                                                                                                                            وإن كانت له نية ، حمل عليها كلامه ، وتقيد بها . ( 6000 ) فصل : وإن قدم مختارا ، حنث الحالف ، سواء علم القادم باليمين أو جهلها . قال أبو بكر الخلال : يقع الطلاق ، قولا واحدا . وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان القادم ممن لا يمتنع من القدوم بيمينه ، كالسلطان ، والحاج ، والرجل الأجنبي ، حنث الحالف ، ولا يعتبر علمه ولا جهله ، وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم ، كقرابة لهما ، أو لأحدهما ، أو غلام لأحدهما ، فجهل اليمين ، أو نسيها ، فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ، ففعله ناسيا أو جاهلا ، وفي ذلك روايتان ، كذلك هاهنا ; وذلك لأنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين ، كان [ ص: 366 ] تعليقا للطلاق على صفة ، ولم يكن يمينا ، فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس ، وإن كان ممن يمتنع ، كان يمينا ، فيعذر فيها بالنسيان والجهل ، وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف ، وقرائن أحواله ، الدالة على قصده ، فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم ، كان يمينا ، وإن كان قصده جعله صفة في مطلقة ، لم يكن يمينا ، ويستوي فيه علم القادم وجهله ، ونسيانه ، وجنونه وإفاقته ، مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها ، ولا يطلقها وحدها ، وتعتبر قرائن الأحوال ; فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد ، يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها ، أو على فعل صغير ، أو مجنون ، أو من لا يمتنع بها ، لم تكن يمينا .

                                                                                                                                            وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ، ويمتنع لأجلها من فعل ما علق الطلاق عليه ، كان يمينا . ومتى أشكلت الحال ، فينبغي أن يقع الطلاق ; لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم ، وإنما ينصرف عن ذلك بدليل ، فمتى شككنا في الدليل المخصص ، وجب العمل بمقتضى العموم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية