الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5995 ) فصل : فإن حلف ليرحلن من هذه الدار ، أو ليخرجن من هذه المدينة . ففعل ثم عاد إليها ، لم يحنث ، إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها ; لأن الحلف على الخروج والرحيل ، وقد فعلهما . وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد ، إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد ، فخرج ثم رجع : قد مضت يمينه ، لا شيء عليه . ونقل عنه مثنى بن جامع ، في من قال لامرأته : أنت طالق ، إن لم نرحل من هذه الدار : إن لم يدركه الموت ، ولم ينو شيئا ، هي إلى أن تموت ، فإن رحل لم يرجع . ومعنى هذا ، أنه إن أدركه الموت قبل إمكان الرحيل ، لم يحنث ، وإن أمكنه الرحيل ، فلم يفعل ، لم يحنث حتى يموت أحدهما ، فيقع بها الطلاق في آخر أوقات الإمكان .

                                                                                                                                            وأما قوله : إن رحل لم يرجع . فمحمول على من كان ليمينه سبب يقتضي هجران الدار على الدوام . ونقل مهنا ، في رجل قال لامرأته : إن وهبت كذا فأنت طالق . فإذا هي قد وهبت . قال : أخاف أن يكون قد حنث . قال القاضي : هذا محمول على أنه قال : إن كنت وهبته . وإلا فلا يحنث حتى تبتدئ هبته ; لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به ، وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه .

                                                                                                                                            ونقل عنه أيضا ، في رجل قال لامرأته : إن رأيتك تدخلين الدار ، فأنت طالق : فهو على نيته ، إن أراد أن لا تدخلها حنث ، وإن كان نوى إذا رآها ، لم يحنث حتى يراها تدخل . وهو كما قال ; فإن مبنى اليمين على النيات ، سيما والرؤية تطلق على العلم ، كقول الله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } . ونحوه . ومتى لم تكن له نية ولا هناك سبب يدل على إرادته مع الدخول بمجرده ، لم يحنث حتى يراها تدخل الدار ; لأنه الذي تناوله لفظه . ونقل عنه المروي ، في رجل أقرض رجلا دراهم ، فحلف أن لا يقبلها ، وكان الرجل ميتا : تعطى الورثة . يعني إذا مات الحالف يوفى الورثة ، ولا يبرأ بيمينه ; لأنها ليست إبراء ، فلا يسقط الحق بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية