الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا صح ما ذكرنا من مقدمات هذا الباب ، فالدعوى الصحيحة ممنوعة من كل جائز الأمر فيما يدعيه ، على كل جائز الأمر ، فيما يدعى عليه سواء عرف بينهما معاملة ، أو لم يعرف ، ويعديه الحاكم إذا استعداه وإن جل قدر المدعى عليه وتصون ، وقال مالك لا يعديه على أهل الصيانة ، فلا يستحضره الحاكم ، إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ، لئلا يستبذل أهل الصيانات ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " وهذا ليس بصحيح لقول الله تعالى : ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله فأمره بالتسوية وترك الميل .

                                                                                                                                            وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده إلى أبي موسى : آس بين الناس في وجهك ، وعدلك ، ومجلسك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف في عدلك .

                                                                                                                                            وقد احتكم علي بن أبي طالب عليه السلام ويهودي إلى شريح في حال خلافته فلم يمتنع أن يساوي في المحاكمة بين اليهودي ، وبين نفسه ، ولأن خمول المدعي لا يمنع أن يكون ذا حق ، وصيانة المدعى عليه لا يمنع أن يكون عليه حق .

                                                                                                                                            ولأن المعاملة لا تدل على بقاء الحق ، وعدمها لا يمنع من حدوث الحق ، فلم يكن لاعتبارها في الدعاوى وجه . والذي يجوز أن يستعمله الحاكم في تحاكم أهل الصيانة أن يميزهم عن مجالس العامة ، ويفرد لمحاكمتهم مجلسا خاصا يصانون به ، عن بذلة العامة ، يجمع فيه بينهم ، وبين خصومهم ، فلا ترد فيه الدعوى ولا تبتذل فيه الصيانة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية