الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وحكى الشافعي عن المعترض عليه اعتراضا ثانيا ، فقال في الرد على الحكم بالشاهد واليمين : وكيف يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت أو أن لأبيه حقا على رجل آخر ، وهو صغير ؟ وهو إن حلف حلف على ما لا يعلم ؟

                                                                                                                                            يريد المعترض بهذا الفصل أن تكون فيما يقطع الحالف بصحته ، وأنتم تحلفونه مع شاهده فيما لا يقطع بصحته من وصية ميت له وفي دين أبيه إذا مات عنه ، وهو صغير ، وهو لا يقطع بصحة الوصية ، ولا باستحقاق الدين ؟

                                                                                                                                            فأجاب الشافعي عن هذا الاعتراض برده من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قال للمعترض : " وأنت تجيز أن يشهد أن فلان ابن فلان ، وأبوه غائب لم ير أباه قط " ، يعني في الشاهد يشهد له بالنسب أو في الولد يحلف على نسبه ، وإن لم ير أباه ، ولا سبيل لهما إلى القطع بصحة النسب ، فلم يمتنع مثل ذلك في اليمين مع الشاهد ، لأن للحالف طريقا إلى العلم به من وجه يقع في نفسه صدقه إما من أخبار تواتر القطع بها ، وإما أخبار آحاد يقع في النفس صدقها .

                                                                                                                                            والثاني : أن قال للمعترض : " وأنت تحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا اشترى عبدا ابن مائة سنة مغربيا ولد قبل جده ، فباعه ، فأبق ، أنك تحلفه ، لقد باعه بريئا من الإباق على البت ، فأجابه المخالف بأن قال : " ما يجد الناس بدا من هذا " ، وهذا اعتذار من يضيق عليه الانفصال ، وليس بجواب .

                                                                                                                                            [ ص: 103 ] وطرق العلم في هذا ممتنعة ، ولا يمنع من اليمين فيه على البت ، فكيف يمنع منها مع الشاهد فيما تكثر طرق العلم بصحته .

                                                                                                                                            فأما مذهبنا في يمين هذا الصبي ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يمينه على البت والقطع ، كقول العراقيين ، وإنما أورده الشافعي على وجه المعارضة دون الإنكار .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يحلفه على العلم دون القطع ، فيحلف بالله لقد باعه ، ولا يعلم أنه آبق ، لأنه غاية ما يقدر عليه ، فيكون ذكر الشافعي له على وجه المعارضة ، وإنكار إحلافه على البت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية