الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقام شاهدا أن أباه تصدق عليه بهذه الدار ، صدقة محرمة موقوفة ، وعلى أخوين له ، فإذا انقرضوا ، فعلى أولادهم ، أو على المساكين ، فمن حلف منهم ثبت حقه ، وصار ما بقي ميراثا ، فإن حلفوا معا خرجت الدار من ملك صاحبها إلى من جعلت له حياته ، ومضى الحكم فيها لهم ، فمن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا قام مقام الوارث وإن لم يخلص إلا واحد ، فنصيبه منها وهو الثلث صدقة على ما شهد به شاهده ، ثم نصيبه على من تصدق به أبوه عليه ، بعده أخويه فإن قال الذين تصدق به عليهم بعد الاثنين نحن نحلف على ما أبى أن يحلف عليه الاثنان ففيها [ ص: 88 ] قولان : أحدهما أنه لا يكون لهم إلا ما كان للاثنين قبلهم والآخر أن ذلك لهم من قبل أنهم إنما يملكون إذا حلفوا بعد موت الذي جعل لهم ملك إذا مات وهو أصح القولين وبه أقول والله أعلم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ومقدمة هذه المسألة : هل يثبت الوقف بالشاهد واليمين ، وهو مبني على اختلاف قولي الشافعي في انتقال مالك الوقف بعد زوال ملك الواقف عنه ، فأحد قوليه نص عليه في هذا الموضع أنه ينتقل إلى ملك الوقف عليه ، لأنه مالك لمنافعه ، فاقتضى أن يكون مالكا لرقبته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في كتاب الوقف أنه ينتقل إلى الله تعالى لا إلى مالك كالعتق الذي بوجوده ينتقل الملك به من حق الله تعالى لا إلى مالك ، ولمن قال بالأول : فرق بين الوقف والعتق بأن الوقف يجري عليه حكم الملك في ضمانه باليد وغرم قيمته بالإتلاف ، والعتق لا يجري عليه حكم الملك ، فلا يضمن بالتلف ، ولا تغرم قيمته بالإتلاف .

                                                                                                                                            فإن قيل بالأول أنه ملك للموقف عليه حكم في إثباته بالشاهد واليمين كسائر الأموال .

                                                                                                                                            وإن قيل بالثاني : إن الملك زائل عنه إلى غير مالك ، ففي إثباته بالشاهد واليمين لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، لا يثبت بالشاهد واليمين كالعتق لزوال الملك بهما إلى غير مالك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج يثبت بالشاهد واليمين بخلاف العتق وإن زال الملك بهما إلى غير مالك لوقوع الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن أحكام الملك باقية على الوقف في ضمانه باليد ، وغرمه بالقيمة ، وزائل عن المعتق ، لأنه لا يضمن باليد ، ولا يغرم بالقيمة .

                                                                                                                                            والثاني : أن المقصود بالوقف ملك منافعه التي هي أموال ، والمقصود بالعتق كمال أحكامه في ميراثه وشهادته وولايته ، ولهذين الفرقين ثبت الوقف بالشاهد واليمين ، ولم يثبت بهما العتق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية