الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والفصل الثالث : في صفة الإشهاد على الشهادة .

                                                                                                                                            وهو معتبر بما تحمله شاهد الأصل ، وله في صحة تحمله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يشاهد السبب الموجب للحق من حضوره عقد بيع أو إجارة أو نكاح يسمع فيه البذل والقبول ، أو مشاهدته لقتل أو إتلاف مال ، أو سماعه للفظ القذف ، فيصح تحمله من غير إقرار ولا استرعاء ، ويجوز أن يشهد به ، ويشهد على نفسه بمثل ما تحمله . [ ص: 222 ] والحال الثانية : أن يشهد على الإقرار بالحق ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يسمع إقرار المقر عند الحاكم وهو يقول : " لفلان علي كذا درهم " فيصح تحمل الشاهد لهذا الإقرار من غير أن يسترعيه المقر للشهادة ، ويقول " اشهد علي بهذا " ، لأن العرف في الإقرار عند الحكام أن لا يكون إلا بالحقوق الواجبة ، فاستغني بالعرف عن الاسترعاء .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يسمع إقراره عند غير الحاكم ، إما عند الشاهد أو عند غير الشاهد ، فقد اختلف أصحابنا في صفة التحمل للشهادة بهذا الإقرار ، هل يفتقر إلى استرعاء المقر ؟ والاسترعاء أن يقول : اشهد علي أن لفلان علي كذا فيه وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي وطائفة ، أن التحمل للشهادة لا يصح إلا بالاسترعاء بها ، فإن سمع الشاهد الإقرار من غير استرعاء لم يصح تحمله ولم يجز أن يشهد به ، لاحتمال أن يرد بذلك : علي ألف درهم أقرضك إياها ، أو أهبها لك ، فلا يلزمه ما أقر به ، فلذلك لم يصح التحمل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أن تحمل الإقرار صحيح وإن تجرد عن الاسترعاء ، والشهادة به جائزة لتعلق الحكم بالظاهر دون السرائر .

                                                                                                                                            ويجوز على هذا الوجه إذا اختبأ الشاهد حتى سمع إقرار المقر : أن لزيد علي ألفا ، والمقر غير عالم بحضور الشاهد وسماعه ، أن يتحمل هذه الشهادة ويشهد بها على المقر ، إلا أن يكون في المقر غفلة تتم بها الحيلة عليه والخداع ، فلا يصح تحمل الشهادة من المختبئ حتى يراه المقر أو يعلم به .

                                                                                                                                            وسوى أبو حنيفة بين ذي الغفلة وغيره في صحة تحمل المختبئ .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أولى لتمام الحيلة على الغافل وانتفائها عن الضابط فهذان الوجهان في وجوب الاسترعاء .

                                                                                                                                            والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن يعتبر حال الإقرار ، إن اقترن به قول أو أمارة تدل على الوجوب استغنى تحمله عن الاسترعاء ، والقول مثل أن يقول : له علي ألف درهم بحق واجب .

                                                                                                                                            والأمارة أن يحضر المقر عند الشاهد ليشهد على نفسه فيعلم شاهد الحال أنه إقرار بواجب .

                                                                                                                                            [ ص: 223 ] وإن تجرد الإقرار عما يدل على الوجوب من قول أو أمارة ، افتقر إلى الاسترعاء ولم يصح تحمل الشهادة على إطلاقه .

                                                                                                                                            فإن أراد الشاهد أن يشهد بهذا الإقرار عند الحاكم ، لزمه أن يذكر في شهادته صفة الإقرار ، فإن كان بالاسترعاء قال في شهادته : أشهد أنه أقر عندي وأشهدني على نفسه ، فإن لم يقل : أشهد ، وقال : أقر عندي ، وأشهدني على نفسه كان إخبارا ولم تكن شهادة .

                                                                                                                                            فلم يجز للحاكم أن يحكم بها حتى يقول : أشهد أنه أقر عندي ، وأشهدني على نفسه ، لأن الحكم يكون بالشهادة دون الخبر .

                                                                                                                                            وإن كان الشاهد قد حضر المقر وأقر عنده من غير استرعاء قال في شهادته : " أشهد إنه أقر عندي بكذا " ولا يقول : " وأشهدني على نفسه " ، ليجتهد الحاكم رأيه في صحة هذا التحمل وفساده .

                                                                                                                                            وإن كان الشاهد قد سمع إقرار المقر من غير حضور عنده ، قال في شهادته : " أشهد إني سمعته يقر بكذا " ولا يقول : أقر " عندي " ليكون الحاكم هو المجتهد دون الشاهد .

                                                                                                                                            فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة هذا التحمل وفساده نظر :

                                                                                                                                            فإن أراد الشاهد أن يجتهد رأيه في صحة الإقرار وفساده لم يجز ، وكان الحاكم أحق بهذا الاجتهاد .

                                                                                                                                            وإن أراد أن يجتهد رأيه في لزوم الأداء وسقوطه عنه ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز لاختصاصه بوجوب الأداء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز ، لأن في الإقرار حقا لغيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية