الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 134 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن حلف المدعى عليه أو لم يحلف ، فنكل المدعي ، فأبطلنا يمينه ، ثم جاء بشاهدين ، أو بشاهد وحلف مع شاهده ، أخذنا له حقه ، والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في دعوى أحلف المنكر عليها ، ثم أحضر المدعي بعد اليمين بينة ، سمعت بينته في قول جمهور الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي ليلى : لا تسمع بينته على المدعى عليه بعد يمينه استدلالا بأن الحكم قد نفذ بسقوط الدعوى ، وبراءة الذمة ، فلم يجز أن ينقض بسماع البينة واستحقاق الدعوى .

                                                                                                                                            ولأنه قد اعتاض عن الدعوى باليمين ، فلم يجز أن يجمع بين عوضين .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما رواه رجاء بن حيوة عن ابن عمر ، قال : اختصم رجال من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله ، وهو عليه غضبان .

                                                                                                                                            فموضع الدليل منه أنه لم يجعل اليمين مبرئة في الباطن ، وإن انقطعت بها المطالبة في الظاهر ، فإذا قامت بها البينة ، لزمت في الظاهر والباطن .

                                                                                                                                            وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : البينة أحق من اليمين الفاجرة .

                                                                                                                                            وقد روي هذا مسندا من طريق لا يثبت ، وهو صريح في موضع الخلاف ، وحجته أن وقف وأسند ، لأنه لم يظهر لعمر فيه مخالف ، ولأن الحق يثبت بالإقرار تارة ، وبالبينة أخرى .

                                                                                                                                            فإذا لم تمنع اليمين من ثبوت الحق بالإقرار ، لم تمنع من ثبوته بالبينة ، ولو برئ باليمين لسقط بالإقرار ، وفيه جواب عن الاستدلال بالبراءة ، وتؤخذ العوض باليمين ، لأن اليمين تسقط المطالبة ، ولا تبرئ من الحق ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية