الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما ذكرناه في أيمان النفي والإثبات ، فصورة مسألتنا في رجل ادعى على رجل ألفا ، فذكر المدعى عليه أنه قد برئ منها ، فصار مقرا بها ، ومدعيا لسقوطها عنه بعد وجوبها عليه ، وصار المدعي مدعى عليه قد استحق الألف بالإقرار ، ووجبت عليه يمين النفي في الإنكار . وهي معتبرة بدعوى البراءة ، ودعواها على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يطلقها .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعينها .

                                                                                                                                            فإن أطلقها وقال : قد برئت إليه منها ، فقد عم ، ولم يخص ، فيكون يمين المنكر لها على العموم على ما وصفها الشافعي في اشتمال يمينه على جميع أنواع البراءات ، فيقول : والله ما قبضتها ، ولا شيئا منها ، ولا قبضها له قابض بأمره ، ولا شيئا منها ، وعبر الشافعي عن القبض بالاقتضاء ، وعن الأمر بالعلم ، وذكر القبض أولى من الاقتضاء لأن الاقتضاء المطالبة والقبض الاستيفاء ، وهو لا يبرأ بالاقتضاء ، ويبرأ بالاستيفاء .

                                                                                                                                            [ ص: 126 ] وذكر الأمر أولى من العلم ، لأنه قد يعلم أنه قبضها من لم يأمره ، فلا يبرأ به .

                                                                                                                                            ثم يقول : ولا أحال بها عليه ولا بشيء منها ، ولا أبرأه منها ، ولا على شيء منها . وزاد الشافعي في " الأم " : " ولا كان منه ما يبرأ به منها ، ولا من شيء منها " يعني : من جناية عليه أو إتلاف لماله بقدر دينه ، ويقول : وإنها لثابتة عليه إلى وقت يمينه هذه .

                                                                                                                                            فهذه ستة أشياء ذكرها الشافعي في اشتمال يمينه عليها ، اختص الشافعي بذكرها وإن لم يذكرها أكثر الفقهاء ، فلم يختلف أصحابه أن السادس منها ، وهو قوله : " وإنها لثابتة عليه إلى وقت يمينه " أنه استظهار ، وليس بواجب .

                                                                                                                                            واختلفوا في الخمسة الباقية على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول الأكثرين أنها واجبة لتشتمل على أنواع البراءات ، فينتهي بها احتمال التأويل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن هذا التفصيل استظهار ، ولو اقتصر في يمينه على أن قال : ما برئ إلي منها ، ولا من شيء منها ، لعم في الحكم جميع أنواعها من قبض وحوالة وإبراء ، وما يوجب الإبراء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية