الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
دور التربية في بلورة عنصر الهجرة

 لا يستطيع الأفراد الهجرة - خاصة الهجرة النفسية - وحدهم بل لا بد من عمل تربوي منظم، تنهض به مؤسسات تربوية متخصصة تحيط بقوانين التغيير الفكري والإرادي والسلوكي، ولا بد من توفير العوامل المساعدة على نجاح عملية الهجرة المذكورة، وأبرز هـذه العوامل اثنان، الأول: توفر العدد المناسب من التربويين الخبراء بتغيير ما في الأنفس من أفكار ومعتقدات، ومساعدتها على التخلص من القيم والاتجاهات والممارسات الخاطئة. والثاني: توفير البيئة الصالحة لنجاح الهجرة بمظاهرها النفسية والحسية.. والحرية هـي التجسيد العملي للبيئة المطلوبة؛ لأن الهجرة هـي حرية التفكير والاختيار.. والذين كانوا يتصفون بحرية التفكير والاختيار من المهاجرين الأوائل، هـم الذين قدروا على الهجرة.. والذين لم يتصفوا بهذه الحرية، ظلوا يمارسون الحران والرفس، جامدين على ما انحدر إليهم من آبائهم من معتقدات، ونظم، وثقافة، وممارسات، وقيم انتهت بهم إلى الهلاك والبوار.

فالهجرة لا تصل مداها - المشار إليه - إلا إذا حررت التربية نفوس المتعلمين من داخل، وهيأت التطبيقات والسياسات الإدارية لتسود الحرية حياة الأمة من خارج، ذلك أن الحرية عامل أساسي في تحقيق أمرين، الأول: نمو القدرات العقلية اللازمة للتميز بين الصواب والخطأ. والثاني: إطلاق الإرادات العازمة المناصرة للحق، المناهضة للباطل.. وحين تختفي الحرية تتعطل القدرات العقلية، وتتقلص الإرادات العازمة، وتتوقف الأمة عن الإبداع، والإنجاز، وتسير في طريق الضعف المفضي إلى الاستضعاف في الدنيا، والعقوبة في الآخرة. [ ص: 50 ]

لذلك لا بد للتربية الإسلامية أن تعمل على تحقيق أمرين، الأول: تدريب إنسان التربية الإسلامية على مراجعة الموروثات الثقافية والاجتماعية المنحدرة من كل جيل، وتنمية القدرة على التفكير، واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو الإفساد في الفهم والتطبيق، أو تلك التي مضى زمنها، وبطل مفعولها، ثم القدرة على التخلص منها، ومن آثارها، والهجرة من تطبيقاتها التي تسربت إلى مظاهر الثقافة السائدة في القيم، والعادات، والتقاليد، والأخلاق، والفنون، والنظم، وشبكة العلاقات الاجتماعية، وغير ذلك.

فالهجرة هـنا مظهر من مظاهر التوبة من الثقافة الخاطئة، أو التي بطل مفعولها، وما يتفرع عنها من نظم، وتطبيقات، ومؤسسات، وممارسات، ووظائف خاطئة، أو متخلفة. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يربط بصراحة بين الهجرة والتوبة ( فيقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) [1] فالهجرة توبة، والتوبة هـجرة، وكلاهما انتقال من الخطأ والجمود والتخلف، وانتقال من البيئات التي ترعى هـذه السلبيات الموقفة للارتقاء، الخانقة للعيش، المانعة للحياة.

والثاني: تدريب المتعلمين على فقه نموذج المثل الأعلى، اللازم لزمنهم، ثم تنشئتهم على استيعاب تفاصيل المثل الأعلى الجديد، وبذلك تعدهم لزمن غير زمن آبائهم - كما يوصي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتتكون لديهم القدرات والمؤهلات اللازمة للغد الذي سيعبرونه، ولن يصابوا بالمفاجآت والصدمات من تطورات المستقبل، كما يصاب الذين يشير إليهم  قوله تعالى: ( بل هـم في لبس من خلق جديد ) [ق:15]. [ ص: 51 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية