الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معنى الرسالة

 يتكرر ذكر الرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - في مئات المواضع من سور القرآن، أما في الآية التي حددت الإطار العام لعناصر الأمة المسلمة، فقد وردت الإشارة إلى الرسالة عند  قوله تعالى: ( في سبيل الله ) [الأنفال:72].

وتقسم محتويات الرسالة إلى ثلاثة أقسام رئيسة هـي:

1- الإيمان بالله: ومحوره الإيمان بقدرته وهيمنته، وأنه المالك المتصرف بالوجود كله. وثمرة هـذا الإيمان تحرر الإنسان من طغيان الآلهة المدعاة، وإطلاق قدراته العقلية والنفسية والجسدية لاستعمالها في تسخير الكون دون عائق من رهبة أو رغبة.

2- الأمر بالمعروف: ومحوره الدعوة إلى التوافق مع سنن الله وأقداره وقوانينه في الوجود القائم؛ لأن في هـذا التوافق بقاء الإنسان ورقيه.

3- النهي عن المنكر: ومحوره التحذير من الاصطدام بسنن الله وأقداره وقوانينه في الوجود القائم؛ لأن في هـذا الاصطدام تدمير لبقاء الإنسان وسقوطه في الدنيا والآخرة.

وهذه العناصر الثلاثة الرئيسة التي تتكون منها الرسالة متضمنة في  قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) [آل عمران:110].

" ولقد شرح الصحابي الجليل أبو هـريرة - رضي الله عنه - هـذه الآية فقال: [ ص: 58 ]

" كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة. يبذل المسلمون أموالهم وأنفسهم في الجهاد لنفع الناس، فهم خير الأمم للخلق، والخلق عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " [1] والمعروف الذي تشير إليه الآية: اسم جامع لكل ما ينفع الجنس البشري ويرتقي بسلوكهم والعلاقات المتبادلة بينهم. ولذلك حين سأل رجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المعروف، أجابه: ( لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، وإن سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم نحوه فلا تسبه، فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه ) [2] ومن الواضح أن التعريف النبوي للمعروف في الحديث المذكور، لم يتناول المعروف كله، وإنما راعى مستوى السائل وبيئته، ووجه انتباهه إلى ما يشيع في تلك البيئة. ولكن البحث الشامل فيما يوجه إليه القرآن والحديث يظهر أن المعروف والمنكر يشملان شبكة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والشعوب والأمم، وأن كل ما ينفع الإنسان ويورث الانسجام مع سنن الله وقوانينه في الخلق، يندرج في قائمة المعروف، وما يضر البشر ويصطدم مع هـذه السنن والقوانين يندرج في قائمة المنكر.

 

التالي السابق


الخدمات العلمية