الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 400 ] فهذه أصول الشرع كلها تبين أن الجنس المحرم لا يسقط حكم المرة، ويغير الحكم في المرتين، فمدعي مثل ذلك في الظهار ادعى على الشارع ما هو مخالف لأصوله وقواعده ومقاصده المعروفة.

وهؤلاء إنما أتوا من لفظ ثم يعودون لما قالوا ، ظنوا أن المراد بذلك أن يكرر قوله الأول، وهذا اللفظ لا يستعمل في مثل هذا المعنى، فلا يقال لمن كرر قوله: إنه عاد إلى قوله، إلا إذا اختص الثاني بمعنى يقتضي أنه لا يعود، مثل أن يستتاب من قول ثم يعود إليه، فيقال: عاد إلى قوله; لأن التوبة تقتضي رجوعه عنه، فإذا نقضها فقد عاد إلى الذنب. وكذلك إذا نهي عن فعل أو قول ثم فعله وقاله. قال تعالى: ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ، وقال تعالى في حق بني إسرائيل: عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا أي: إن عدتم إلى الذنب عدنا إلى العقوبة، وإن عدتم إلى التوبة عدنا إلى الرحمة. فأما من كرر القول أو الفعل، مثل من يسبح في الصلاة ثلاثا أو أكثر من ذلك، أو يستغفر مرات، فإنه لا يقال في المرة الثانية والثالثة: إنه عاد.

فهؤلاء غلطوا في فهم القرآن واللغة التي بها نزل القرآن، ولهذا قال الزجاج: هذا قول من لا يدري اللغة. ومثل هذا يقع كثيرا ممن يدعي التمسك بظاهر القرآن والحديث، وقد غلط في ذلك، ليس ما ادعاه هو الظاهر الذي دل عليه اللفظ.

ولفظ الإعادة والعود حيث استعمل لا بد أن يكون بينه وبين الابتداء [ ص: 401 ] نوع فرق، حتى يتميز المعاد من المبتدأ، فأما إذا كان هو إياه من كل وجه فهذا لا يقال فيه: إنه أعاده، ولا عاد إليه.

وقد يقال لمن فعل فعلا وقطعه لتعب أو شغل ونحو ذلك: عد إلى ما كنت، وعد إلى حالك، لأن الأول حصل عقبه فتور تميز به عن الثاني، فلو وصل الثاني بالأول لم يقل: إنه عاد. فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، أنت علي كظهر أمي، أو قال: والله لا أطأك، والله لا أطأك، لم يقل: إن قول الثاني عود إلى الأول، بل هو تكرير محض.

وأيضا فالذي قالوه لو كان صحيحا محتملا إنما يجب الجزم به إذا كانت ما مصدرية، أي: ثم يعودون إلى قولهم، وليس في الآية ما يوجب ذلك، بل يجوز أن تكون ما موصولة، أي: إلى الذي قالوه.

وهذا أظهر، فإن كونها موصولة أكثر في الكلام، ولفظ العود يستعمل في مثل هذا، كقوله: ثم يعودون لما نهوا عنه .

وهذا منشأ غلط طائفة من الناس في الآية، فإنهم ظنوا أن ما مصدرية، وأن المعنى: ثم يعودون لقولهم، ولم يفهموا معنى كونها موصولة.

ثم هؤلاء الذين ظنوا أنها مصدرية قالوا أقوالا كلها باطلة، فقال داود ومن وافقه : إن العود تكرير القول. وهذا القول لا يعرف عن أحد قبلهم، وقيل: إنه مروي عن بكير بن الأشج.

التالي السابق


الخدمات العلمية