الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما أن يكون في العالم أحد من البشر لا ينزل الله رزقا أو نصرا أو هدى إلا بواسطته، فهذا من أقوال المفترين الملحدين، وهو من جنس قول النصارى، إما في المسيح، وإما في الباب. بل الناس يدعون الله، فيجيب دعاءهم، ويسمع كلامهم. والمشركون كانوا يدعون الله إذا اضطروا، فيجيب دعاءهم، فكيف بالمؤمنين!

وليس أحد من الخلق يكون هو الذي يرفع دعاء العباد كلهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولا لعباد الله الصالحين وأوليائه المتقين عدد معين، لا أربعة ولا سبعة ولا اثنا عشر ولا أربعون ولا ثلاث مئة وثلاثة عشر، بل يكثرون تارة ويقلون أخرى. وقد كان حين بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر كانوا من أقل الناس، ثم إنه بعد هذا انتشر الإيمان.

وقد أغرق الله أهل الأرض في زمن نوح عليه السلام إلا من آمن معه، وما آمن معه إلا قليل.

وفي الحديث الصحيح أن الخليل عليه السلام قال لسارة لما طلبها الكافر، وكان يأخذ امرأة الرجل إذا أعجبته، فقال الخليل لها: إذا سألك [ ص: 72 ] فقولي إنك أختي، فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك.

وقول القائل: إن الله إذا غضب على أحد من أهل الأرض وأراد أن ينزل به العذاب، نظر إلى قلوب هؤلاء المذكورين، فإن وجدهم راضين بإنزال العذاب على الذي قد استحقه أنزله، وإن لم يجدهم راضين بذلك رفعه- كذب مفترى، بل قد أنزل الله العذاب على قوم لوط مع مجادلة إبراهيم الخليل عنهم. قال تعالى: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود .

وقال تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما استغفر للمنافقين: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم .

ومحمد وإبراهيم أفضلا الخلق، هذا خليل الله، وهذا خليل الله.

والخليل إبراهيم استغفر لأبيه. ثم لما مات أبو طالب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" ، فأنزل الله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . فقال بعض المسلمين: إن إبراهيم قد استغفر لأبيه، فأنزل الله تعالى: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية