الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4698 4699 4700 4701 4702 4703 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي -عليه السلام- هذا يحتمل ما قالوا، ويحتمل: "فيشتريه فيعتقه بشرائه" هذا في الكلام صحيح، وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث حتى يتفق هو وغيره مما روي عن النبي -عليه السلام-.

                                                فإنه حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني ، قال: ثنا أبو عمير النحاس، قال: ثنا ضمرة ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ملك ذا رحم محرمة فهو حر".

                                                [ ص: 103 ] حدثنا محمد بن عبد الله، قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج وعبد الواحد بن غياث ، قالا: ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من ملك ذا محرم فهو حر".

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج (ح).

                                                وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال: ثنا أسد، قالا: ثنا حماد بن سلمة .... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا محمد بن عبد الله، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " من ملك ذا رحم فهو حر". .

                                                وتصحيح حديثي سمرة هذين يوجب أن ذا الرحم المذكور فيهما هو ذو الرحم المحرم، ، وأن ذا المحرم المذكور فيهما هو ذو المحرم من الرحم، فيكون معناهما لما جمع ما فيهما هو مثل ما في حديث ابن عمر: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر". .

                                                وقد بلغني أن محمد بن بكر كان يحدث، عن حماد بن سلمة، ، عن عاصم الأحول، ، عن الحسن، ، عن سمرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " من ملك ذا رحم من ذي محرم فهو حر".

                                                فدل على ما ذكرناه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: أن قول النبي -عليه السلام-: "لا يجزي ولد والده ....." الحديث - يحتمل أن يكون معناه مثل ما قاله أهل المقالة الأولى، وهو أن يكون العتق بهذا الشراء بكلام مبتدأ، ويحتمل ما قاله أهل المقالة الثانية، وهو أن يكون نفس الشراء عتقا من غير كلام مبتدأ، وهذا في الكلام صحيح، كما قلنا في قولهم: سقاه فأرواه، وأطعمه فأشبعه، وضربه فأوجعه.

                                                فإذا كان الحديث محتملا للمعنيين المذكورين، فصرفه إلى المعنى الثاني أولى; ليتفق هو وحديث عبد الله بن عمر وحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنهم - فإن حديثهما [ ص: 104 ] يقتضي أن يكون الملك هو الإعتاق، من غير حاجة إلى كلام مستأنف، وحمل معاني الآثار على الاتفاق أولى بل المتعين من حملها على التضاد.

                                                وأما حديث ابن عمر، فأخرجه بإسناد صحيح.

                                                وأبو عمير النحاس هو عيسى بن محمد بن إسحاق الرملي شيخ أبي داود والنسائي وابن ماجه .

                                                وضمرة هو ابن ربيعة الفلسطيني الرملي من الثقات المأمونين.

                                                والحديث أخرجه النسائي: أنا عيسى بن محمد -هو أبو عمير الرملي- وعيسى بن يونس الفاخوري ، عن ضمرة ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من ملك ذا رحم محرم عتق".

                                                وأخرجه البيهقي بهذا الإسناد ولفظه: "فهو عتيق" ثم قال: تفرد به ضمرة والمحفوظ بهذا الإسناد: "نهى عن بيع الولاء" وقد رواه أبو عمير أيضا مع الحديث الأول.

                                                قلت: ليس انفراد ضمرة به دليلا على أنه غير محفوظ، ولا يوجب ذلك علة فيه؛ لأنه من الثقات المأمونين لم يكن بالشام رجل يشبهه، كذا قال ابن حنبل .

                                                وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا لم يكن هناك أفضل منه. وقال أبو سعيد بن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه.

                                                والحديث إذا انفرد به مثل هذا كان صحيحا، ولا يضره تفرده، فلا ندري من أين وهم في هذا الحديث راويه كما زعم البيهقي .

                                                وقال ابن حزم: هذا خبر صحيح، تقوم به الحجة على الخصم، وكل رواته [ ص: 105 ] ثقات، وإذا انفرد به ضمرة كان ماذا، ودعوى أنه أخطأ فيه باطل؛ لأنه دعوى بلا برهان.

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه": عن أبي علي الحسين بن علي الحافظ، ثم قال: وثنا أبو علي بإسناده سواء "أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن بيع الولاء وعن هبته".

                                                وهذا يقتضي أن المتنين محفوظان.

                                                ثم قال عن حديث "من ملك ذا رحم محرم": صحيح على شرط الشيخين، وشاهده الحديث الصحيح المحفوظ عن سمرة بن جندب، ثم ذكره بإسناده من طريق سمرة - رضي الله عنه - انتهى.

                                                وأما حديث سمرة فأخرجه من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني ، عن إبراهيم بن الحجاج السامي -بالسين المهملة- الناجي -بالنون- البصري شيخ أبي زرعة الرازي وأبي يعلى الموصلي .

                                                وعن عبد الواحد بن غياث البصري الصيرفي .

                                                كلاهما عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن البصري ، عن سمرة .

                                                وأخرجه الترمذي: نا عبد الله بن معاوية الجمحي، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "من ملك ذا محرم فهو حر".

                                                الثاني: عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة .... إلى آخره.

                                                [ ص: 106 ] وأخرجه أحمد في "مسنده": نا أبو كامل، ثنا حماد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب، أن النبي -عليه السلام- قال: "من ملك ذا محرم فهو حر".

                                                الثالث: عن نصر بن مرزوق ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة .... إلى آخره.

                                                الرابع: عن محمد بن عبد الله الأصبهاني ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن حماد .... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي -عليه السلام- قال: "من ملك ذا رحم فهو عتيق".

                                                وأخرجه أبو داود نحوه غير مرفوع. ثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال: "من ملك ذا رحم فهو حر".

                                                وهذا -كما رأيت- الحديث صحيح.

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه" وصححه.

                                                وقال ابن حزم: صحح الحنفيون هذا الخبر، ورأوه حجة، وقالوا: لا يضره ما قيل: إن الحسن لم يسمع من سمرة، والمنقطع تقوم به الحجة.

                                                قلت: الحديث صحيح وليس بمنقطع; لأن الحسن قد ثبت سماعه من سمرة في غير ما حديث، قاله البخاري وغيره، وقد مر هذا غير مرة.

                                                [ ص: 107 ] فإن قيل: أخرج البيهقي هذا الحديث من طريق محمد بن بكر ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم وقتادة ، عن الحسن ، عن سمرة .

                                                ومن طريق مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل ، عن حماد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي -عليه السلام- قال موسى في موضع آخر: عن سمرة فيما يحسب حماد، ثم علله البيهقي بأن حمادا شك في سمرة .

                                                قلت: رواه النسائي والترمذي وابن ماجه من غير شك كما ذكرناه، وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي كامل ويزيد بن هارون عن حماد كما ذكرناه، ومن شك ليس بحجة على من لم يشك، كيف والذين لم يشكوا جماعة؟.

                                                قوله: "وتصحيح حديثي سمرة هذين ...." إلى آخره.

                                                إشارة إلى وجه التوفيق بين حديثي سمرة المذكورين بلفظين متغايرين، وبين [حديث] عبد الله بن عمر، ففي رواية إبراهيم بن الحجاج وعبد الواحد بن غياث: "من ملك ذا محرم فهو حر" وفي رواية أسد وحجاج ويزيد بن هارون: "من ملك ذا رحم فهو حر".

                                                وفي رواية عبد الله بن عمر: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر".

                                                ووجه التوفيق بينها أن المراد من قوله: "ذا رحم" هو ذو الرحم المحرم، وأن المراد من قوله: "ذا محرم" هو ذو المحرم من الرحم، فإذا جمع معناهما يكون مثل ما في حديث ابن عمر: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر"

                                                قوله: "وقد بلغني ...." إلى آخره.

                                                ذكره شاهدا لصحة تأويله؛ لأن محمد بن بكر بن عثمان البرساني البصري [ ص: 108 ] كان يحدث، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن الحسن ، عن سمرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "من ملك ذا رحم من ذي محرم فهو حر".

                                                فهذا دليل صريح على أن المراد من اللفظين المذكورين نحو ما ذكره من التأويل.

                                                وإسناد هذا صحيح، ورجاله كلهم من رجال الصحيح.

                                                وأخرجه الترمذي نحوه: ثنا عقبة بن مكرم العمي البصري وغير واحد، قالوا: نا محمد بن بكر البرساني ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة وعاصم الأحول ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي -عليه السلام- نحوه.

                                                والنسائي عن [عبيد الله بن سعيد] عن محمد بن بكر .

                                                وابن ماجه: عن إسحاق بن منصور وعقبة بن مكرم ، عن محمد بن بكر البرساني ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة وعاصم ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي -عليه السلام- قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر".

                                                قلت: برسان -بضم الباء الموحدة- من الأزد.




                                                الخدمات العلمية