الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : فإن اقتسمنا أرضين فأخذت أنا أرضا وأخذ صاحبي أخرى ، فغرس أحدنا في أرضه وبنى ، فأتى رجل فاستحق بعض الأرض التي صارت لهذا الذي غرس وبنى ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يقال لهذا المستحق ادفع إلى هذا الذي غرس قيمة غراسته وبنيانه في الأرض التي استحققتها ، وإلا دفع إليك قيمة أرضك براحا ; لأنه لم يبن [ ص: 302 ] في أرضك غاصبا وإنما بنى على وجه الشبهة ، ثم ينظر فيما بينه وبين شريكه الذي قاسمه ، فإن كان الذي استحق من أرضه الشيء التافه اليسير لم يكن له أن ينقض القسمة ، ولكن إن كان استحق ربع ما في يديه رجع بقيمة ثمن ما في يد صاحبه ولا يرجع بذلك في الدار إن كانت قائمة لم تفت أو قد فاتت .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وانظر أبدا إلى ما استحق ، فإن كان كثيرا كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك فيما في يد صاحبه يكون به شريكا له فيما في يديه إذا لم يفت ، وإذا كان الذي استحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك دنانير أو دراهم ، ولا يكون بذلك شريكا لصاحبه ، وهذا قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فالدار إذا اقتسماها فبنى أحدهما في نصيبه ، ثم استحق نصيبه وقد بناه أو نصفه يقال للمستحق : إن شئت فادفع إلى هذا قيمة بنيانه أو خذ منه قيمة أرضك براحا في قولك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : والعبيد والدور بمنزلة واحدة إذا استحق جل ما في يديه رد الجميع ، وإن استحق الأقل مما في يديه لم يرد إلا ما استحق وحده بما يقع عليه من حصة الثمن ، فالقسمة إذا استحق من يد أحدهما جل نصيبه رجع بقدر نصف ذلك فشارك به صاحبه ، وإن كان الذي استحق تافها يسيرا رجع بنصف قيمة ذلك كما وصفت لك ، ولا يشارك به صاحبه في حظه الذي في يديه ، وهذا كله قول مالك . وتفسيره لأن مالكا قال في الرجل يشتري مائة إردب من حنطة فيستحق خمسون منها .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : يكون المشتري بالخيار ، إن أحب أن يحبس ما بقي بحصته من الثمن فذلك له ، وإن أحب أن يرد فذلك له ، وكذلك الداران وقال مالك : وإذا أصاب بخمسين إردبا منها عيبا أو ثلث ذلك الطعام أو ربعه لم يكن له أن يأخذ ما وجد من طيبه ، ويرد ما أصاب فيه العيب ، إنما له أن يأخذ الجميع أو يرد الجميع وكذلك قال مالك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية