الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      حبس ثمرة حائطه على أجل فمات المحبس عليه وفي النخل ثمر قد أبرت قلت : أرأيت إن حبست ثمرة حائطي على رجل بعينه حياته ، فأخذ النخل فكان يأخذ ثمرها ، ثم إن المحبس عليه مات وفي رءوس النخل ثمر لم يبد صلاحه ، لمن يكون الثمر ، ألورثة المحبس عليه أو لورثة رب النخل ؟ قال : سئل مالك عن رجل حبس حائطا له على قوم بأعيانهم ، فكانوا يسقون ويقومون على النخل ، فمات بعضهم وفي رءوس النخل ثمر لم يبد صلاحه وقد أبرت ؟ قال : قال مالك : أراها للذين بقوا منهم يتقوون بها على سقيه وعمله ، وليس من مات فيها شيء ولو طابت الثمرة قبل أن يموت أحد كان حق من مات منهم فيها ثابتا يرثه ورثته ، فمسألتك مثل هذا إن مات المحبس عليه قبل أن تطيب الثمرة فهي ترجع إلى المحبس ، فإن مات بعدما تطيب الثمرة كانت لورثة الميت المحبس عليه .

                                                                                                                                                                                      قال بعض الرواة : هذا إذا كانت صدقة محبسة وكانوا هم يلون عملها . قال : ولقد سئل عنها مالك غير مرة ونزلت بالمدينة فقال مثل ما أخبرتك وإن كانت ثمرة تقسم عليهم غلتها فقط ، وليسوا يلون عملها فنصيب من مات منهم رد على صاحبه المحبس .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وقد كان رجع مالك فقال : يكون على من بقي وليس يرجع نصيب من مات إلى المحبس .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وروى الرواة كلهم عن مالك ابن القاسم وابن وهب وابن نافع وعلي المخزومي وأشهب أنه قال : من حبس غلة دار أو [ ص: 427 ] ثمرة حائط أو خراج غلام على جماعة قوم بأعيانهم ، فإنه من مات منهم يرجع نصيبه إلى الذي حبسه ; لأن هذا مما يقسم عليهم ، وإن كانت دارا لا يسكنها غيرهم أو عبدا يخدم جميعهم ، فمن مات منهم فنصيبه رد على من بقي منهم ; لأن سكناهم الدار سكنى واحد واستخدامهم العبد كذلك . قال سحنون : فثبت الرواة كلهم عن مالك على هذا .

                                                                                                                                                                                      وقال المخزومي فيما يقسم وفيما لا يقسم على ما وصفنا إلا ابن القاسم فإنه أخذ برجوع مالك في هذا بعينه ، وقال : يرجع على من بقي كان مما يقسم أو لا يقسم ، وما اجتمعوا عليه أحج إن شاء الله . وقد قال بعضهم : وإن مات منهم ميت - والثمر قد أبر - فحقه فيها ثابت . قاله غير واحد من الرواة منهم أشهب .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية