الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت المشهود عليه إذا زكيت البينة الذين شهدوا عليه عند القاضي ، أيقول القاضي للمشهود عليه إنهم قد شهدوا ، وقد زكوا ، فعندك ما تدفع به شهادتهم عنك ؟ قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أن مالكا قال : ينبغي للإمام أن يسأل عن الشهود في السر .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وأرى إن كان الذي شهدت عليه الشهود ، يعرف وجه التجريح ولا يجهل ذلك ، لم أر على الإمام أن يقول جرح إن شئت . وإن كان يجهل ذلك وهو ممن لا يعرف أن له أن يجرحهم ، مثل المرأة الضعيفة أو الرجل الجاهل ، رأيت له أن يقول له القاضي ذلك ويخبره أن له أن يجرحهم ويدفع شهادتهم عن نفسه ، لعل عنده ما يدفع به عن نفسه من العداوة بينه وبينهم ، أو شركة مما لا يعلمه المعدلون . وذلك أني سألت مالكا عن الرجل يدعي على الرجل حقا وقد كانت بينه وبينه مخالطة ، فيقال للمدعى عليه : احلف وابرأ فينكل عن اليمين ، أترى أن يقضي عليه بالحق أم يقول [ ص: 541 ] الإمام للمدعي : احلف واستحق . والمدعى عليه لم يطلب يمين المدعي ؟ قال مالك : فأرى للإمام أن لا يقضي بالحق على المدعى عليه حتى يقول للمدعي : احلف أن الحق حقك ، فإن حلف وإلا لم يقض له بشيء .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وذلك لأن الناس ليس كلهم يعرف أن اليمين ترده على المدعي ، فلا ينبغي للإمام أن يقضي على المدعى عليه إذا نكل عن اليمين حتى يستحلف المدعي ، فكذلك مسألتك في التجريح إن كان ممن يجهل ذلك ، رأيت أن يعلمه الإمام الذي له في ذلك قبل أن يقضي عليه .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإذا أراد القاضي أن يقضي على رجل يقضيه ، فوجه ذلك أن يقول القاضي للمقضي عليه : أبقيت لك حجة ؟ فإن قال : لا ، قضى عليه . فإن جاء بعدما قضى عليه يطلب بعض ذلك ، لم يقبل القاضي ذلك منه ، إلا أن يأتي بأمر يستدل به على ما قال ، مثل أن يكون لم يعلم ببينته هي له أو ما أشبه ذلك وإلا لم يقبل منه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية