الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ما جاء في المسخوط يقول : دمي عند فلان

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كان المقتول مسخوطا فقال : دمي عند فلان . أيقبل قوله أم لا ويكون فيه القسامة أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : فيه القسامة إذا قال المقتول : دمي عند فلان . ولم يذكر لنا مالك مسخوطا من غير مسخوط ، ولكن قال ذلك لنا مجملا . وأرى المسخوط وغير المسخوط في ذلك سواء ، وهذا الذي سمعت من قوله .

                                                                                                                                                                                      قلت : فما فرق ما بين الشاهد إذا كان مسخوطا وبين المقتول ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأن المقتول لا يتهم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كانت امرأة فقالت : دمي عند فلان ؟ قال : قال مالك : الرجل والمرأة في هذا سواء ، وتكون القسامة في هذا العمد والخطأ . قال ابن القاسم : وهذا مما يدل أيضا على الفرق بين الشاهد إذا كان مسخوطا وبين المقتول إذا كان مسخوطا ، وتكون القسامة في هذا العمد والخطأ . وقد جعل مالك الورثة يقسمون بقول المرأة - والمرأة ليست بتامة الشهادة - ولا يقسم مع شهادتها في عمد . ألا ترى أن المسخوط يأتي بشاهد على حقه فيحلف مع شاهده ، ولو أتى بشاهد مسخوط لم يحلف معه ولم [ ص: 647 ] يثبت له شيء ، فكذلك الدم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قتل صبي فقال : دمي عند فلان ؟ قال : سمعت مالكا وأنا عنده ، وأتاه قوم فقالوا : إن صبيين كان بينهما قتال ، فقتل أحدهما صاحبه ، فأتي بالمقتول فقالوا : من فعل بك ؟ فقال : فلان ، للصبي الذي كان معه . وشهد على قول الصبي المقتول رجال عدول وأقر الصبي القاتل أنه فعل ذلك به .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : لا أرى أن يؤخذ بقول الصبي الميت ولا بإقرار الصبي الحي القاتل ، ولا يجوز في ذلك ، إلا رجلان عدلان على أنه قتله .

                                                                                                                                                                                      قلت لمالك : ولا تكون في هذا قسامة ؟ فقال : لا .

                                                                                                                                                                                      قلت : فما فرق ما بين الصبي والمرأة والمسخوط ، وقد قلت إن مالكا قال في المرأة والمسخوط : إذا قالا دمنا عند فلان ، إن في ذلك القسامة . وقلت لي إن مالكا قال في الصبي لا قسامة فيه ؟ فقال : لأن الصبي - في قول مالك - إذا أقام شاهدا واحدا على حقه لم يحلف مع شاهده .

                                                                                                                                                                                      ولو أن امرأة ومسخوطا أقاما شاهدا على حقهما حلفا ما شاهدهما - عند مالك - وثبت حقهما ، فهذا فرق ما بينهما .

                                                                                                                                                                                      قلت : فلو أن نصرانيا أقام شاهدا واحدا له على حق ، أيحلف مع شاهده ويستحق حقه ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : وكذلك العبد ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم فقلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية