الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حدثنا محمد بن أبي علي الخلادي ، حدثنا محمد بن خلف البسامي ، عن أحمد بن موسى الأزرق أنه أنشده:


وزن الكلام إذا نطقت، فإنما يبدي العقول أو العيوب المنطق     لا ألفينك ثاويا في غربة
إن الغريب بكل سهم يرشق     لو سار ألف مدجج في حاجة
لم يقضها إلا الذي يترفق



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : العاقل يلزم الرفق في الأوقات، والاعتدال في الحالات؛ لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب، كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز ترجى السلامة، وفي ترك الرفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة. ولقد أنشدني الأبرش:


عليك بوجه القصد، فاسلك سبيله     ففي الجور إهلاك، وفي القصد مسلك
إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها     تحملها ما لا تطيق فتهلك



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الرافق لا يكاد يسبق، كما أن العجل لا يكاد يلحق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم، والعجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد، يعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكني العجلة أم الندامات.

[ ص: 217 ] ولقد أنشدني بعض أهل العلم:


العجز ضر، وما بالحزم من ضرر     وأحزم الحزم سوء الظن بالناس
لا تترك الحزم في أمر تحاذره     فإن أمنت فما بالحزم من باس



أخبرنا عمرو بن محمد ، حدثنا الغلابي ، حدثنا إبراهيم بن عمر بن حبيب، قال: كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الحر حريصا، ولا الكريم حسودا، ولا الشره غنيا، ولا الملول ذا إخوان.

وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:


إذا ما أتيت الأمر من غير بابه     تصعب، حتى لا ترى فيه مرتقى
وإن الذي يصطاده الفخ إن عتا     على الفخ كان الفخ أعتى وأضيقا



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : العجلة تكون من الحدة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما، والعجل لا يسير إلا مناكبا للقصد، منحرفا عن الجادة، يلتمس ما هو أنكد، وأوعر، وأخفى مسارا، يحكم حكم الورهاء، ويناسب أخلاق النساء.

ولقد حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري ، حدثنا الغلابي ، حدثنا مهدي بن سابق، قال: قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللجاجة، والعجب، والتواني، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذل. قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة، واستفاد مذمة؛ لأن الزلل مع العجل، والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، ولا يكون العجول محمودا أبدا، والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي، فيتجنبهما معا، ويجعل لنفسه مسلكا بينهما.

ولقد حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، [ ص: 218 ] حدثني إبراهيم بن عاصم، قال: سمعت صدقة يقول: سمعت الشمردل يقول: نكح العجز التواني، فولد الندامة.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : سبب النجاح ترك التواني، ودواعي الحرمان الكسل؛ لأن الكسل عدو المروءة، وعذاب على الفتوة، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وكما أن الأناة بعد الفرصة أعظم الخطأ، كذلك العجلة قبل الإمكان نفس الخطأ، والرشيد من رشد عن العجلة، والخائب من خاب عن الأناة، والعجل مخطئ أبدا، كما أن المتثبت مصيب أبدا.

التالي السابق


الخدمات العلمية