الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أخبرنا محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز حدثنا حفص بن عمرو الربالي ، حدثنا الحجاج بن نصير حدثنا عبد القدوس قال: سمعت وهب بن منبه يقول " من تعلم علما في حق وسنة لم يذهب الله بعقله أبدا ".

حدثنا عبد الله بن قحطبة ، حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال " كتب إلي أبي، وأنا بالكوفة: اشتر الصحف، واكتب العلم; فإن المال يفنى، والعلم يبقى ".

حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا حبان بن موسى أنبأنا عبد الله بن المبارك قال " كتب حكيم من الحكماء ثلاثين صحيفة حكم، فأوحى الله إليه: إنك قد ملأت الأرض نفاقا، وإن الله لم يتقبل شيئا من نفاقك ".

قال أبو حاتم: اقتناء المرء عمره بكثرة الأسفار، ومباينة الأهل والأوطان في طلب العلم دون العمل به، أو الحفظ له، ليس من شيم العقلاء، ولا من زي الألباء، وإن من أجرد ما يستعين المرء به على الحفظ :الطبع الجيد، مع الهمة واجتناب المعاصي، وأنشدني الأبرش :


نعم عون الفتى الطلوب لعلم أو لبعض العقول صحة طبع     فإذا الطبع فاته بطل العلم
وصار العناء في غير نفع



سمعت إبراهيم بن نصر العنبري يقول: سمعت علي بن خشرم يقول: سمعت وكيعا يقول: " استعينوا على الحفظ بترك المعصية ".

قال أبو حاتم: يجب على العاقل أن لا يطلب من العلم إلا أفضله، لأن الازدياد من العلم آثر عند العاقل من الذكر بالعلم، والعلم زين في الرخاء، ومنجاة [ ص: 40 ] في الشدة، ومن تعلم ازداد، كما أن من حلم ساد، وفضل العلم في غير خير مهلكة، كما أن كثرة الأدب في غير رضوان الله موبقة، والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عليه نفعا في الدارين معا، وإذا رزق منه الحظ لا يبخل بالإفادة، لأن أول بركة العلم الإفادة، وما رأيت أحدا قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه، وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض ما لم ينبع، ولا بالذهب الأحمر ما لم يستخرج من معدنه، ولا باللؤلؤ النفيس ما لم يخرج من بحره، كذلك لا ينتفع بالعلم ما دام مكنونا لا ينشر ولا يفاد.

أنبأنا أحمد بن مضر الرباطي ، حدثنا محمد بن سهيل بن عسكر ، حدثنا أبو صالح الفراء قال: سمعت ابن المبارك يقول " من بخل بالحديث يبتلى بإحدى ثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يبتلى بالسلطان ".

حدثنا أبو يعلى ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، عن برد ، عن سليمان بن موسى قال: قال أبو الدرداء " الناس عالم ومتعلم، ولا خير فيما بين ذلك ".

وأنشدني الكريزي :


أفد العلم، ولا تبخل به     وإلى علمك علما فاستفد
استفد ما استطعت من علم وكن     عاملا بالعلم والناس أفد
من يفدهم يجزه الله به     وسيغني الله عمن لم يفد
ليس من نافس فيه عاجزا     إنما العاجز من لا يجتهد



التالي السابق


الخدمات العلمية