الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا عبد الله بن عروة ، حدثنا يعقوب الدورقي ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب عن ابن سيرين قال: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا، وأفقر الفقراء من كان الحرص عليه أميرا، لأن الحرص سبب لإضاعة الموجود عن مواضعه، والحرص محرمة، كما أن الجبن مقتلة، ولو لم يكن في الحرص خصلة تذم إلا طول المناقشة بالحساب في القيامة على ما جمع لكان الواجب على العاقل ترك الإفراط في الحرص.

وقد كان بعض أصحابنا كثيرا ما ينشد :


تجانب الحرص، ودع عنك الحسد ففيهما الذل وإتعاب الجسد



وأنشدني الكريزي :


وأرقني طول التفكر إنني     عجبت لدهر ما تقضى عجائبه
فكم عاجز يدعى جليدا لغشمه     ولو كلف التقوى لكلت مضاربه
وعف يسمى عاجزا لعفافه     ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه
فليس بحرص المرء أدركه الغنى     ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
ولكنه قبض الإله وبسطه     فلا ذا يجاريه ولا ذا يغالبه



قال أبو حاتم رضي الله عنه: الحرص غير زائد في الرزق، وأهون ما يعاقب الحريص بحرصه أن يمنع الاستمتاع بما عنده من محصوله، فيتعب في طلب [ ص: 131 ] ما لا يدري أيلحقه أم يحول الموت بينه وبينه؟ ولو لزم الحريص ترك الإفراط فيه واتكل على خالق السماء لأتحفه المولى جل وعز بإدراك ما لا يسعى فيه، والظفر بما لو سعى فيه وهو حريص عسى لتعذر عليه وجوده.

وأنشدني علي بن محمد البسامي :


ألا رب باغ حاجة لا ينالها     وآخر قد تقضى له وهو آيس
يحاولها هذا، وتقضى لغيره     وتأتي الذي تقضى له وهو جالس



وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش :


وكم من أكلة منعت أخاها     بلذة ساعة أكلات دهر
وكم من طالب يسعى لشيء     وفيه هلاكه لو كان يدري



قال أبو حاتم رضي الله عنه: الحرص علامة الفقر، كما أن البخل جلباب المسكنة، والبخل لقاح الحرص، كما أن الحمية لقاح الجهل، والمنع أخو الحرص، كما أن الأنفة توأم السفه، وأنشدني عمر بن محمد قال: أنشدني الغلابي :


لا تأتين نذالة لمنالة     فليأتينك رزقك المقدور
واعلم بأنك آخذ كل الذي     لك في الكتاب محبر مسطور
والله ما زاد امرءا في رزقه     حرص، ولا أزرى به التقصير



وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي :


وارض من العيش في الدنيا بأيسره     ولا ترومن ما إن رمته صعبا
إن الغني هو الراضي بعيشته     لا من يظل على ما فات مكتئبا



التالي السابق


الخدمات العلمية