الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حدثنا أحمد بن قريش بن بشر بن عبد العزيز ، حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي ، حدثنا أحمد بن خليل ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن أبي عيسى قال: كان إبراهيم بن أدهم إذا صنع إليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه، أو يتفضل عليه، قال أبو عيسى: فلقيني وأنا على حمار، وأنا أريد بيت المقدس جائيا من الرملة، قال: وقد اشترى بأربعة دوانيق تفاحا وسفرجلا، وخوخا وفاكهة، فقال: يا أبا عيسى، أحب أن تحمل هذا، قال: وإذا عجوز يهودية في كوخ لها، فقال: أحب أن توصل هذا إليها؛ فإنني مررت وأنا ممس، فبيتتني عندها، فأحب أن أكافئها على ذلك.

وأنشدني الكريزي:


يد المعروف غنم حيث تسدى تحملها شكور، أم كفور     كفى شكر الشكور لها جزاء
وعند الله ما كفر الكفور



وأنشدني بعض أهل العلم:


رهنت يدي للعجز عن شكر بره     وما فوق شكري للشكور مزيد
ولو كان شيء يستطاع استطعته     ولكن ما لا يستطاع شديد



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : الواجب على المرء أن يشكر النعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر فبالضعف، وإلا فبالمثل، وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشكر، وقوله: جزاك الله خيرا، فمن قال له ذلك عند العدم، فكأنه أبلغ في الثناء.

[ ص: 267 ] ومن الناس من يكفر النعم، وكفران النعم يكون من أحد رجلين: إما رجل لا معرفة له بأسباب النعم، والمجازاة عليها؛ لما لم يركب فيه من التفقد لمراعاة العشرة، فإذا كان كذلك وجب الإغضاء عنه، وترك المناقشة على فعله. والرجل الآخر: أن يكون ذا عقل، لم يشكر النعمة؛ استخفافا بالمنعم، واستحقارا للنعمة، وتهاونا في نفسه لهما، أو لأحدهما، فإذا كان كذلك يجب على العاقل ترك العود إلى فعل مثله، والخروج باللائمة على نفسه إذا كان له خبرة به.

وأنشدني علي بن محمد:


علامة شكر المرء إعلان حمده     فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيرا فخانني     فما الذنب عندي للذي خان أو فجر
ولكن إذا أكرمته بعد كفره     فإني ملوم حيث أكرم من كفر



وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب:


إذا أنا أعطيت القليل شكرتم     وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم     وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع، والسعي فيها من غير قضائها إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه، والاهتمام بالصنائع؛ لأن الاهتمام ربما فاق المعروف، وزاد على فعل الإحسان؛ إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى الناس، وهو غير مهتم به، ولا مشفق عليه، وربما أفعله الإنسان وهو مكاره، والاهتمام لا يكون إلا من فرط عناية وفضل ود، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره للمعروف.

أنشدني عبد العزيز بن سليمان:


لأشكرنك معروفا هممت به     إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر     فالشيء بالقدر المجلوب مصروف



وأنشدني ابن زنجي البغدادي:

[ ص: 268 ]

بطر النعمة من ضيعها     ومضيع الشكر مستدعي الغير
فاجعل الشكر عليها حارسا     ربما ابتز الفتى النعمى البطر



حدثني عمرو بن محمد ، حدثنا محمد بن زكريا ، حدثنا محمد بن عبد الله الجشمي ، حدثنا علي بن محمد، قال: مر عمر بن هبيرة - لما انصرف في طريقه - فسمع امرأة من قيس تقول: لا، والذي ينجي عمر بن هبيرة، فقال: يا غلام، أعطها ما معك، وأعلمها أني قد نجوت.

التالي السابق


الخدمات العلمية