الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أخبرنا إبراهيم بن نصر ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن حميد بن الأسود ، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط قال: قال الشعبي " إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل، والنسك، فإن كان عاقلا ولم يك ناسكا قيل: هذا أمر لا يناله إلا النساك، فلم يطلبه، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قيل: هذا أمر لا يناله إلا العقلاء، فلم يطلبه " قال الشعبي: " فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما، لا عقل ولا نسك ".

قال أبو حاتم: العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا; لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره; لأن المبتغى من الأشياء كلها نفعها لا نفسها، والعلم ونفس العلم شيئان، فمن أغضى عن نفعه لم ينتفع بنفسه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، والعلم له أول وآخر.

كما حدثنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا يحيى بن اليمان قال: سمعت سفيان يقول " أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل به، ثم النشر " وأنشدني الأبرش :


تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل     وإن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه المحافل



[ ص: 35 ] أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ، حدثنا جرير ، عن برد بن سنان ، عن سليمان بن موسى قال: قال أبو الدرداء " لا تكون عالما حتى تكون متعلما، ولا تكون بالعلم عالما حتى تكون به عاملا ".

قال أبو حاتم: العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصده العمل به; لأن من سعى فيه لغير ما وصفنا ازداد فخرا وتجبرا وللعمل تركا وتضييعا، فيكون فساده في المتأسين به فيه أكثر من فساده في نفسه، ويكون مثله كما قال الله تعالى ( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) .

أخبرنا محمد بن إبراهيم الخالدي ، حدثنا داود بن أحمد ، حدثنا عبد الرحمن بن عفان قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول " في جهنم أرحية تطحن العلماء طحنا، فقيل: من هؤلاء؟ قال: قوم علموا فلم يعملوا ".

أخبرنا عبد الله بن محمد السعدي ، حدثنا محمد بن النضر بن مساور ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار قال " إذا طلب الرجل العلم ليعمل به سره علمه، وإذا طلب العلم لغير أن يعمل به زاده علمه فخرا ".

أخبرنا محمد بن عمر بن سليمان ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا محمد بن بشر حدثني سلمة بن الخطاب ، عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء قال: قال الحسن " من أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه، ومن أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا، ولم يزدد من الله إلا بغضا ".

أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثني أحمد بن إبراهيم الحدثي حدثني إسماعيل بن الحارث حدثني محمد بن الحسن المديني ، حدثنا أبو العوام " أن إبراهيم سمع صوت هاتف وهو يقول :


يا طالب العلم باشر الورعا     وباين النوم، واهجر الشبعا
ما ضر عبدا صحت إرادته     أجاع يوما في الله أو شبعا
[ ص: 36 ] ما ضر عبدا صحت عزائمه     أين من الأرض، أينما صقعا
ما طمعت نفس عابد فنوى     سؤال قوم إلا لهم خضعا
يا أيها الناس ما لعالمكم     في بحر ماء الملوك قد كرعا
يا أيها الناس أنتم زرع     يحصده الموت كلما طلعا



التالي السابق


الخدمات العلمية